رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

 

 

 

أستكمل فى هذه السطور ما بدأته الأسبوع الماضى فى معرض تناول ما أراه يعكس فلسفة العمران التى يمثلها ويقوم على تنفيذها الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء والتى تبلورت ملامحها خلال السنوات الماضية سواء خلال فترة توليه وزارة الإسكان أو خلال توليه رئاسة الوزراء، وهى الفلسفة التى تستهدف تغيير وجه الحياة فى مصر بمضاعفة مساحة المعمور من نحو 7 بالمئة على ما هو عليه الآن إلى 14 بالمئة!. ويمكن لأى مصرى أن يلمس ملامح هذا التحول من خلال حركة الإنشاءات التى لا نبالغ إذا قلنا إنها حركة لم تشهدها مصر على مدار تاريخها القديم أو الحديث.

وإذا كانت رؤية كهذه من الصعب أن تمر دون إشادة وإشارة فى الوقت ذاته، بمعنى الإعلام بها لمن لا يعلمها، فإنها فى الوقت ذاته من الصعب أن تمر دون مناقشة على الأقل فى ضوء جوهرية التحول الذى تمثله وضخامة حجم الإنفاق الذى يوجه إليها. صحيح أن كاتب هذه السطور ليس خبيرا فى التخطيط العمرانى، رغم اهتمامات بسيطة من هنا أو هناك، إلا أنه مما قد يشفع له تناول الأمر هنا أن ذلك ربما يكون دعوة للنقاش على الأقل لتوسيع نطاق الرؤية لقضية بالغة الحيوية لا شك أن تنفيذها كما قلنا يغير وجه الحياة فى مصر تماما.

وبشكل دقيق يمكن القول إن هناك تحفظين أساسيين يردان على ما يتم ويتصدر واجهة تنفيذه الدكتور مدبولى دون أن يكون بالطبع المسئول الأول أو الوحيد عنه. التحفظ الأول هو أن العاصمة – القاهرة وليس العاصمة الإدارية – تستأثر بنصيب الأسد من هذه الخطة وهو ما قد يعنى أن خطة العمران تسير على غير ما تستهدف. أذكر هنا أن رائدا من رواد التخطيط العمرانى فى مصر وهو الدكتور عبد الباقى إبراهيم الذى كنت ضيفا دائمًا على مكتبه فى سنوات النصف الثانى من ثمانينيات القرن الفائت كان له وجهة نظر مغايرة أتصور أنها تعبر عما أود الإشارة إليه وتتمثل فى ضرورة العمل على تحويل مراكز الكثافة السكانية إلى أماكن طاردة وتحويل المناطق العمرانية الجديدة إلى أخرى جاذبة. وقد كان من الأمثلة التى يضربها لتوضيح وجهة نظره أنه يجب رفع تكلفة استهلاك الكهرباء على القاطن فى القاهرة مثلا وتخفيضها على من ينتقل للعيش فى المجتمعات العمرانية الجديدة، أو بمعنى آخر توفير البدائل المختلفة التى تشجع السكان على الرحيل والانتقال من المراكز كثيفة السكان إلى تلك الجديدة بما يحقق فى النهاية هدف خلخلة الكثافة السكانية وإنجاح جهود توسيع الرقعة العمرانية.

ولك أن تتخيل فى معرض توضيح الأمر أن حجم ما تم إنفاقه على القاهرة من مشروعات خلال السنوات الست الماضية يقدر وفق ما تم الإشارة إليه فى فعاليات أخيرة بنحو 380 مليار جنيه مصرى وهو رقم بالغ الضخامة يمكن بمنطق نفقة الفرصة البديلة تصور حجم تأثيره، إذا ما أنفق على حركة العمران فى المراكز الجديدة. صحيح بالطبع أن حياة العائشين فى مراكز الكثافة العمرانية، مثل القاهرة أو غيرها، يجب ألا يتم تحويلها إلى جحيم وإنما تحسينها فى حدود الممكن إلا أنه من الواضح أن مشاكل المراكز الحضرية القديمة تستوعب جهود القائم على التخطيط وتستقطبه بشكل قد ينتهى به إلى حرفه عن هدفه الأصيل فى النهاية!

يتمثل التحفظ الثانى فى اختزال مفهوم العمران إلى آخر أكثر بساطة وهو الإنشاءات، رغم أنه شتان ما بين الإثنين. وكما صدرنا المقال وكما يمكن أن يلمس أى مواطن فإن حجم الإنشاءات من الضخامة بحيث يتجاوز قدرة البعض على التصور.. (حدث ذلك معى حيث مررت بمنطقة فى القاهرة يتم انشاء كوبرى بها وبعد أقل من شهر فوجئت بأن هذا الكوبرى قد تم افتتاحه).

بمعنى آخر أن ما يتم على أرض الواقع لا يعكس المسمى السائد عن مجتمعات عمرانية جديدة وإنما إنشاءات ومبانٍ سكنية جديدة!! وعلى هذه الخلفية فإنك يمكن من خلال التجوال فى أنحاء البلاد أن يحدث لك حالة انبهار بكم الإسكان الذى يغزو صحارى مصر، وهو انبهار ربما يزول إذا اقتربت أكثر لتكتشف أن معظم هذه المساكن غير عامرة بسكانها المفترضين، وهو أمر يحدث بشكل أساسى بسبب نقص الخدمات والمرافق.

فى معرض استدعاء الأمثلة أشير إلى تجربة عايشتها بنفسى فى الإمارات حين رحت منذ أكثر من عشرين عاما ألحق ابنتى بإحدى المدارس بإمارة الشارقة، وكانت المفاجأة أن المدرسة فى صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء تسمى منطقة المدارس على أطراف الإمارة، لم يكن بها فى أيام التقديم حتى طريق أسفلتى يؤدى إلى المدرسة.. وبعد سنوات معدودة على أصابع اليد الواحدة أصبحت تلك المنطقة من أكثر المناطق ازدحاما بفعل نجاح المدارس فى اجتذاب السكان للإقامة قربها وتعزيزها لفكرة إقامة مراكز عمرانية جديدة.

فى الحالة المصرية أتصور أن كل الظروف تدفع لخلق مثل تلك المجتمعات، على خلفية التزايد السكانى غير الطبيعى فى مصر، حتى أنه يمكن تصور أن مثل هذه المجتمعات ستقوم حتى لو لم تقم الدولة على إنشائها، غير أنها ستقوم على نمط عشوائى يفتقد أبسط أسس التخطيط العمرانى بشكل تعانى معه الدولة بعد ذلك، الأمر الذى ربما يتطلب فلسفة عمران على أسس مغايرة.

[email protected]