رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لست من المتشائمين بطبعى، على العكس فإن طاقة الامل لدى تجعلنى أحيانا أتصور أننى واسع الخيال لصالح المزيد من الحلم بأوضاع أفضل، غير أنى فى الوقت ذاته لست ممن يفرطون فى التفاؤل فيبعدون كثيرا عن الواقع، تقدر تعتبرنى من «المتشائلين» على حد نظرة الروائى الفلسطينى الراحل إميل حبيبى فى روايته «المتشائل». ورغم ذلك فمعك عزيزى القارئ كل الحق فى أن تأخذ ما أقوله فى هذه السطور بحذر، بل والنفور منه، حيث يساورنى هذه الأيام شعور غريب بأن فلسطين-القضية والدولة-فى طريقها إلى الhنقراض، حتى يجوز لنا أن نرثيها، ويخيل إلى أن مرض السرطان الخبيث أصاب القضية فى مقتل، وأصبحت تتقزم وتتضاءل وتضمر حتى تكاد تختفى. أقول ذلك رغم وجود شعب فلسطينى يتسلح بالأمل ويقاوم عوامل التعرية القومية ويتجاوز عدده أو يقترب من عدد الشعب الذى يسعى لابتلاعه!

صحيح أن هناك سلطة فلسطينية فى الضفة الغربية، وصحيح أن هناك حكومة فى غزة لكن فى النهاية فإن كل العوامل فى تصورى، على غرار مقولة كل الطرق، تؤدى إلى اندثار فلسطين!

ربما يكون، إن لم يكن من المؤكد، فى كلامى ذاك تأثر بالغ بما قرأته عن قضية ضياع الأندلس، والتى ربما تتشابه فى ظروفها كثيرا مع قضية فلسطين، لكن النظرة المتأنية لما يحدث تؤكد أن الأمر يتجاوز التفكير على خلفية قضية تاريخية مضت إلى أمر واقع يفرض نفسه وبقوة سواء على تفكيرنا او حقيقة ما نواجهه. وإذا كانت أسباب هذه النظرة متعددة فلعل أحد أبرز الأسباب ما يمكن وصفه بتفكك عرى التمسك بالعروبة فى واقعنا السياسى القائم. صحيح أن التضامن العربى لم يأت بالنتائج المرجوة منه فى كل الحالات، إلا أنه كان فى كثير من الأحوال حائط صد أمام الوقوع فى مزيد من الأوضاع السيئة على صعيد قضايانا العربية.

من واقع ما قرأته ربما كانت لحظة اغتصاب فلسطين ملهمة فى مجال حديثنا ذاك، حيث هبت الدول العربية رغم واقعها السيئ للدفاع عن فلسطين وحمايتها، وإذا كانت النتيجة جاءت مخيبة للآمال، فإن ذلك كان فى جانب كبير منه بفعل عوامل تتجاوز الاوضاع العربية آنذاك، ورغم ذلك لم تؤثر الهزيمة فى العزيمة العربية واستمر التماسك والتسلح بالأمل فى استرداد ما ضاع من فلسطين.

وإذا كان مقدرا للقضية الفلسطينية أن تبقى محل توهج فى ضمير العرب والعالم، فإن ذلك كان بفضل السياسة المصرية على مدار العقدين التاليين من خمسينيات وستينيات القرن الماضى، وهو الموقف الذى انطلق من إيمان شديد بأن طبيعة الأوضاع على الجبهة الشرقية لمصر جزء من الأمن القومى المصرى، بالطبع إلى جانب إيمان القيادة المصرية فى تلك الفترة بفكرة العروبة ومتطلباتها بغض النظر عن حجم ضريبة ذلك الإيمان ووطأة تلك المتطلبات.

وإذا كانت مصر رمانة الميزان فى المنطقة العربية، فقد غير الموقف من القضية الفلسطينية من تلك الفرضية إذا تعلق الأمر بهذا الجانب المصيرى المتعلق بمستقبل شعب شقيق، ولذلك لم تتوان الدول العربية جميعها تقريبا مع استثناءات محدودة عن مقاطعة مصر، حينما ساد التصور بأنها تخرج عن الخط المرسوم للحفاظ على الحقوق الفلسطينية من خلال سياسات السادات السلمية التى مثلت المسمار الأول فى إدماج إسرائيل فى المنطقة، مع كل التقدير لمن يتيهون بالرئيس السادات ويعتبرونه "سياسى داهية" كصانع السلام وقائد للحرب!

ورغم كل مظاهر الانحطاط العربى على مدى العقود الأربعة الماضية فيما بعد اغتيال السادات - من ثمانينيات القرن الماضى وحتى اللحظة - فإن فلسطين كانت تبدو كالوردة التى يعتبر وجودها غريبا وسط أكوام قمامة السياسة العربية، كانت الأيقونة التى يحرص كل سياسى عربى على تأكيد التمسك بمستقبلها لكى يضمن لنفسه قبولا مهما كان حجم الرفض له فى الشارع العربى أو وسط شعبه، وقد كان الرئيس الراحل القذافى أبرز نموذج على ذلك، والذى اكتسب شعبية بالغة فى المحيط العربى بفعل رؤاه التى تؤكد التمسك بفلسطين رغم خبل سياساته!

على مستواى الشخصى ورغم أنك يمكن أن تعتبرنى من أنصار حزب الكنبة إلا أننى لن أنسى ما حييت خروجى فى مظاهرة فى دبى لنصرة غزة عام 2009 ضمن مظاهرات مختلفة انطلقت فى الإمارات وفى دول عربية أخرى عديدة عبرت عن المكانة التى يحتلها الغضب على سياسات المحتل الإسرائيلى تجاه من نعتبرهم أشقاء لنا وعلى ما أذكر إن لم تخُنّى الذاكرة فقد سعدت كثيرا بتصدر الشيخ محمد بن راشد حاكم دبى إحدى تلك المظاهرات المنددة بإسرائيل. وقتها نظمت الإمارات حملة تبرعات لنصرة الفلسطينيين كانت تبث على الهواء مباشرة وعبرت عن أروع المعانى فى نصرة القضية الفلسطينية ليس بسبب حجم المبالغ وإنما لدلالة الإسراع بالتبرع ومشاعر التضامن مع الفلسطينيين.

وإذا كانت السياسة تقوم على مبدأ أنه ليس هناك صداقات دائمة أو عداوات دائمة، فقد شهدت السياسة العربية تدفق مياه كثيرة جرت فى نهرها غيرت من طبيعتها، ومواقفها تجاه العدو الاستراتيجى الذى تحول إلى صديق استراتيجى على حساب القضية الأهم التى كانت وراء نضال 70 سنة أثرت بالسلب على مقدرات الشعوب العربية، حتى بات الكلام عن دولة فلسطينية حديثا من الماضى، على نحو نأمل معه أن يكون حديثنا نحن آخر الرثاءات!!

[email protected]