رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

ليس فى التشبيه التالى أى استدعاء لقيم أو منظورات دينية أو تديين للسياسة وإنما ما حكم التشبيه فى معرض القضية التى نتناولها فى هذه السطور هو بلاغة الكلام الذى عبّر عنه الحديث النبوى فى قوله «توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها».. فلو أنك تأملات المشهد الليبى بشكل متأنٍ ودقيق لخرجت بنتيجة مفادها أن الأمم المتحدة ربما بأكملها بعدد دولها الـ192 تتصارع فى ليبيا، صحيح وطبعاً أن فى هذا القول الأخير مبالغة، لكن من منكم يمكن أن ينفى أن ما تشهده ليبيا يعبر بحق عن لعبة أمم بأكملها هناك.. من الشرق والغرب والشمال والجنوب، وأنها أصبحت ساحة مثالية للتدخل لكل من هب ودب ولكل باحث عن دور فى عالم جديد!

وإذا كان عنوان المقال نفسه يمثل استدعاء لعنوان كتاب شهير ومهم هو «لعبة الأمم» لمايلز كوبلاند، فإن المشهد الليبى بعيداً عن التحليل السياسى المتأنى والرصين إنما هو بحق أشبه بمباراة ولعبة تجرى أشواطها وفعالياتها على المكشوف وعلى مرأى ومسمع من الجميع دون مواربة أومداراة. لكن اختلاف هذه المباراة عن غيرها من أنماط المباريات فى أنها لا تتم بين طرفين متواجهين وإنما بين أطراف عديدة، حتى إن ليبيا بحق يكاد يضيع دمها بين القبائل! ليس فى المباراة لاعبون بزيين مختلفين أحمر وأبيض، أو أزرق وأصفر، وإنما هناك مجموعة أزياء، منتخبات العالم كلها تلعب فى مباراة واحدة وفريدة من نوعها!

حتى إن الوضع فى ليبيا بحق يمكن أن يمثل مجالاً أو نموذجاً مختلفاً لشكل الصراع على المصالح بين الدول فى النظام الدولى الحالى! هو صراع يختلف عما شهدناه ونشهده فى سوريا مثلاً، حيث الأطراف المتصارعة محددة ومعروفة لا تتجاوز من خمس إلى سبع دول، رغم كثرة هذا العدد، وكذلك يختلف عما نشهده فى العراق الذى ربما يتركز فى ثلاث دول، أو اليمن.. إلخ، وإن كانت هناك ملحوظة مهمة من الأمثلة المقدمة وهى أنها كلها عربية، ما يشير إلى نتيجة ربما تكون أهم هى أن الصراع إنما يتم على العالم العربى وفى قلب العالم العربى!

إذا كان لذلك من دلالة فإنما يشير إلى القيمة التى مثلها حكم القذافى بغض النظر عن كل سلبياته فى الحفاظ على وحدة ليبيا والسيطرة على الأوضاع فيها بمنأى عن التكالب عليها وهى قيمة منقوصة حيث إن إيجابية هذه العملية كانت تفرض أن يستمر هذا الأمر– وحدة ليبيا ومنعتها– بعد رحيله. وعلى أساس هذا الفهم، القائم على أن ما يدور فى ليبيا جزء من صراع دولى شامل، ربما تتقبل بحذر وجهة النظر التى أقدمها، وتتمثل فى أن الدور التركى فى ليبيا ليس دوراً أصيلاً، وإنما هو دور تابع، صحيح أنه يبدو الفاعل الرئيسى غير أنه فى الحقيقة ليس سوى الفاعل الوكيل، بما يعنى فى النهاية أنه ليس سوى جزء من «لعبة الأمم»!

ويؤكد هذا الطرح حجم التورط التركى فى العراق وسوريا وأخيراً وليس آخراً فى ليبيا، ما يشير فى تقديرى إلى مخطط دولى، أمريكى بالأساس، يتم من خلاله تعزيز طموحات الرئيس التركى أردوغان، على غرار ما جرى مع صدام فى غزو الكويت، من أجل دفعه لمغامرات خارجية تسهم فى إضعاف تركيا بالأساس، هذا فضلاً بالطبع عن الأثر الذى تحدثه فى خصمه من ضعف وتفكك!

للتفصيل تأمل المشهد، فستجد المستعمر القديم إيطاليا له موقف ولكنه ملتبس ولم يشعر بالارتياح إلا بعد أن ضمن جزءاً من الكعكة بالاتفاق على استثمارات كبيرة فى ليبيا مع حكومة السراج، موقف فرنسا شديد اللهجة ويناطح تركيا بشدة إلى حد تهديد مستقبل علاقات باريس بأنقرة، اليونان تقارب الأمر بحذر مع طرابلس وحزم مع تركيا، وعلى الشاكلة ذاتها قبرص، روسيا تناور وتساند حفتر فى العلن، فيما تسعى على ما يبدو لترتيبات أخرى للمشهد الليبى على الأقل يضمن مصالحها، أما واشنطن فهى ربما التى تحرك أغلب الخيوط، وأكثرها غرابة.. التأكيد على الحل السياسى مع ترك الساحة لتركيا لكى تغرق ليبيا بالأسلحة فى تحضير على ما يبدو لمعركة كبرى، الرابح الأكبر فيها واشنطن، حيث ربما قد تتحول لتكون معركة تكسير عظام بين الأطراف المتصارعة.

وسط كل ذلك تقف الدول العربية إزاء النزاع موقفاً تحاول من خلاله أن يكون لها دور.. وبالطبع ليس سوى دور الحفاظ على دولة شقيقة عربية، وهو الأمر الذى يعكسه بحق موقف القاهرة، بغض النظر عن أى تحفظات أو ملاحظات على أطراف مواقف دول عربية أخرى، فضلاً بالطبع عن الخطر على الأوضاع فى مصر من سيطرة تركيا على ليبيا وقد سبقها ما يمكن وصفه بسمعتها السيئة فى العراق وسوريا، بل تحذيرات دولية من أن ليبيا ربما تكون نموذجاً أسوأ من سوريا. ورغم أن ذلك يوفر المبرر لمصر لكى تعلن بقوة استعدادها للمواجهة لوقف أى تهديد لأمنها القومى، إلا أن ذلك يجب أن يتم وفى الاعتبار أن الأمر برمته ربما لا يتجاوز محاولة لجرنا لأتون حرب عربية إسلامية لا يستفيد منها سوى القابع فى البيت الأبيض! مجرد ملحوظة على هامش لعبة الأمم التى تجرى فصولها فى ليبيا.

[email protected]