عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

 

 

 

أمس كان يوماً مختلفاً، الحياة تحررت من قبضة الإغلاق، الشوارع هي.. هى، ولكن خِلتُ أنها من فرط سعادتها من حنية وقع أقدام الناس عليها، أن تتحول إلى كائن حى تدب فيه الروح وتأخذهم بالأحضان لتعوضهم عن حرمان ثلاثة أشهر كاملة عزّ فيها السلام بالإيد  وتقاليد المصريين فى تبادل الأحضان والقبلات عند اللقاء بعد غياب.

كنت أعلم أنه يوم الفتح، ولكن من فرط تأثير ذلك على شعور المارين فى الشارع اعتقدت أنهم يحتفلون بعيد رمضان بأثر رجعى عندما كانت التعليمات ترد فى عبارة «خليك فى البيت، احمى نفسك احمى بلدك».

فى طريقى مررت على المقهى الذى اعتدت أن أتناول فيه قهوة الصباح، لم يستقبلنى عم سلامة وخشيت أن يكون قد أصيب بكورونا، شاهدت شاباً يقوم بتعليق بعض البلالين على واجهة المقهي، سألته عن عم سلامة قال لى هو بخير، وستجده غداً، اعتذرت عن عدم دخول المقهى ليس لأن نسبة الـ25٪ اكتملت، كما يستظرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن كنت خائفاً من شيء ما عندما شاهدت أحد العاملين لا يرتدى الكمامة، وآخر يضعها أسفل ذقنه، المقهى لم يكن مكتظاً، الرواد حذرون، يشربون الشاى والقهوة طبعاً لا توجد شيشة، لكن لسان حال رواد المقهى يقول إن القادم أفضل عندما تؤخذ الإجراءات الاحترازية غلاباً.

 تركت المقهي، وتجولت فى عدة شوارع أتابع المطاعم والكافتيريات ومحلات الفول والفلافل والكشري، وصالة للجيم، الكل دبت فيه الروح من جديد، ونفض التراب الذى تراكم على الواجهات، وكلما كانت المدة تطول يتراكم التراب أكثر، وسار الاعتقاد أن الحياة توقفت والفيروس نفذ تهديده، وفرض كلمته والدليل أن الشوارع تموت كما يموت الإنسان، هكذا كنت أرى الشوارع تضحك أمس، والمحلات والمقاهى تنطلق منها أغانٍ متفائلة، وموسيقى هادئة، بائعة البخور تنتقل من مقهى إلى مطعم تحمل فى يدها موقداً به عيدان لها رائحة طيبة تشتعل على قطع من الفحم، وصاحب المقهى أو المطعم يرتدى ثياباً جديدة، يستقبلها على الباب ويدس فى يدها بعض النقود، وبائعة البخور تشكر وتقول له: روح ربنا ما يغلق لك باب.

الإغلاق، استنزاف للاقتصاد وتهديد للحياة، لكن فعلاً العمر مش بعزقة كما قال المكوجى فى المحل المقابل لمقهى عم سلامة، رد عليه صبى القهوجى: لكن ربنا عرفوه بالعقل، ونحن نعمل بحذر، ونلتزم بالإجراءات، نتباعد، نخف الزحام، نرتدى الكمامة، أى نعقلها ونتوكل، صبى القهوجى حاصل على تعليم متوسط، تحول إلى داعية يروج للحياة مع كورونا، قال نتعايش معها لأنها توطنت مش عندنا بس ولكن فى جميع دول العالم، كما قال إن الدولة المصرية لم تقصر،  واجهت ومازالت تواجه كورونا، وعلينا نحن الشعب أن نساعدها، عندما تقرر أن تعيننا على أكل العيش، وتعيد فتح محلات الرزق، فلابد أن ننفذ التعليمات لنحمى أسرنا وبلدنا.

على مقربة من المقهى يقع مسجد صغير، انضم أحد العاملين به إلى حلقة الكلام، وقال ودعنا «ألا صلوا فى بيوتكم ألا صلوا فى رحالكم»، وعادت الصلاة فى المساجد بإجراءات احترازية، والآن اقتربنا من صلاة الظهر، وسيدخل المصلون كل واحد معه سجادته وكمامته، وسنلتزم بالتباعد ونحن مطمئنون أن الصلاة صحيحة عملا بالفتوى التى أطلقها فضيلة المفتى.

الواد بتاع الجيم دخل فى الحوار بعمق، وقلبها سياسة، وسأل عن سد النهضة، وأزمة ليبيا، والصراع الدائر بين أمريكا والصين للوصول إلى إجابة عن السؤال وهو من السبب فى ظهور كورونا؟ وهل تحولت أزمة كورونا الى أزمة سياسية وراءها أهداف اقتصادية؟،  الكلام ده كان أكبر من أن يرد عليه صبى المقهي، ومقيم الشعائر والمكوجي، والست حاملة البخور، وتولى الإجابة عليه سياسى قديم من رواد المقهى وبصراحة قال كلاماً مقنعاً، للجميع ودخل فى عدة موضوعات مرة واحدة الى أن وصل الى ثورة 30 يونيو التى نقترب من الاحتفال بذكراها السابعة بعد أيام.

جولتى طالت لكن الوقت مر بسرعة، كنت أريد أن أعانق كل شوارع حى الدقي، وأسأل عن الفيلم الذى سيعرض فى سينما التحرير، وأتوقف عند محطة المترو لأحجز تذكرة بعد العاشرة مساء لأذهب إلى ميدان التحرير بعد تطويره فأصبح تحفة جمالية غير موجودة فى العالم بخلاف أهميته التاريخية التى تتمثل فى شهادته على عزم وصلابة وتصميم المصريين عندما يريدون، استدعيت ميدان التحرير فى 30 يونيو، وعدت إلى كلام  للتاريخ قاله الرئيس السيسى ان هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه، وفى مناسبة أخرى قال السيسى: أقسم بالله اللى هيقرب من مصر لأشيله من على وش الأرض، كما قال: خلوا بالكم  يا مصريين من بلدكم، كما قال: أنا فداء هذا الوطن وهذا الشعب.

أخذنى الكلام مع نفسي، ودخلت من باب الوفد، قست الحرارة وجدتها 36، جلست على مكتبى أتابع الأخبار وجدت تقريرا ميدانيا فى انتظارى عن الحياة التى دبت فى أوصال مصر بعد الغلق.

لن تغلق مصر لأن فيها رئيسا مخلصا قرر أن يبنيها من جديد، وجيشا يدافع عنها بدمائه. استمعت إلى الرئيس وهو يقول بكل فخر عن الإنجازات التى تحققت خلال الست سنوات الماضية: قسماً بالله اللى اتعمل فيكى يا مصر ما يتعمل فى 20 أو 30 سنة، فعلا مصر كانت فين قبل 30 يونيو وكيف أصبحت حالياً؟، فعلاً يا ريس مصر تغيرت وعادت شمسها الذهب.