عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

 

 

 

إذا علمت أن نحو 17 مليون أمريكي فقدوا وظائفهم خلال شهر فقط من تفشي وباء كورونا، وأن مبيعات السيارات في الصين تراجعت بنحو 43% مارس الماضي، وأن مصر تراجعت بطموحاتها التنموية إلى مستوى  1% فقط خلال الربع الأخير من العام الحالي، وأن خمسة تريليونات دولار هي تكلفة انتشار فيروس كورونا حتى الآن.. أدركت أننا أمام كارثة اقتصادية بكل المعايير لم يكن معها صندوق النقد الدولي مبالغًا حينما وصفها بأنها ستكون أكثر كلفة من أزمة الكساد الكبير التي واجهها العالم في أواخر عشرينات وبدايات ثلاثينيات القرن الماضي. دعك بالطبع من أزمة 2008 التي لا تكاد تذكر في مواجهة فداحة خسائر كورونا.

غير أن المشكلة أن قطاعًا غير محدود من المصريين يبدو غير مدرك لطبيعة الأزمة أو الكارثة حتى الآن. في الأسبوع الماضي ورغم كل الإجراءات التي قامت بها الحكومة المصرية لمواجهة الوباء، تلقيت اتصالًا من أحد أقربائي يسألني في براءة عن حقيقة كورونا وكان لسان حاله يقول إنها تمثيلية ربما نخدع أنفسنا أو يخدعنا العالم بها. وعلى هذه الخلفية يمكن استيعاب حالة الجدل التي سادت وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوعين الماضيين في مواجهة تصريحات بعض رجال الأعمال بشأن سبل مواجهة الأزمة وتداعياتها على سوق الأعمال وحركة الاقتصاد ككل. في تقديري، وأنا على استعداد لتلقي السهام التي ستوجه إلىّ على خلفية هذا الرأى، أن رجال الأعمال لم يخطئوا في تقديرهم للأزمة وإن كانت مشكلتهم الوحيدة أنهم لم يقدموا رؤاهم مغلفة في ورق من السوليفان كما يفعل الساسة في التعاطي مع الرأي العام.

خذ مثلًا موقف الرئيس الأمريكي ترامب، إنه يناضل ويكافح ويعلنها صراحة بأنه لا يقبل بأي شكل من الأشكال أن ينتهي الأمر بوباء كورونا إلى وقف حركة الاقتصاد ببلاده، مؤكدًا أن فلسفة نشأة بلاده قامت على استمرار العمل. بالطبع فإن رؤية ترامب لها ضريبتها وهي فقدان العديد من الأرواح بفعل عدم التوقف وهو ما نشاهده الآن، غير أن ترامب لم يقل ذلك صراحة وهو ما قاله أحد رجال الأعمال لدينا فكان هيجان الدنيا كلها عليه. لم يقف الأمر عند حد ترامب وإنما امتد إلى رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون الذي راح في نبرة ربما رأها البعض تفتقد للكياسة يدعو البريطانيين إلى أن يستعدوا لفقدان أحبائهم، وشاء القدر أن يكون هو أول «الأحبة» الذين يصيبهم كورونا وسط كفاح طبي لعلاجه منه.

في تقديري أن ما يجب أن نعيه ونضعه على رأس اعتباراتنا في التعامل مع كورونا أن الكوارث والأوبئة والحروب لها منطقها الخاص، وأن الحياة خلالها تسير على غير وتيرتها العادية، وأن لها كلفتها شئنا ذلك أم أبينا، وأن تلك الكلفة قد تكون في المال والأهل والأولاد. وإلا فبماذا نفسر قرار إيران وقد تعدت حالات الوفيات بسبب كورونا بها أكثر من أربعة آلاف وفاة وأكثر من 50 ألف إصابة، تخفيف الحظر من أجل بدء حركة العمل. لا تفسير سوى أن الحياة لا يمكن أن تتوقف مهما كانت التضحيات. بماذا نفسر حالة العمال الوافدين في الخليج والقلق الذي ينتاب قطاعًا غير محدود منهم وسط اتجاه لتخفيض الشركات رواتبهم واحتمالات الاستغناء عن أعداد غير قليلة منهم. لا تفسير سوى أن ذلك ليس إلا إحدى النتائج الاقتصادية لكارثة كورونا!

وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فإنه مما يتم الإشارة إليه بشأن الحرب العالمية الثانية أن رئيس الوزراء البريطاني تشرشل وفي إطار سعيه لإجلاء أكثر من 300 ألف جندي بريطاني في معركة دنكرك بفرنسا وحمايتهم من القصف الألماني طالب بأن يتم شغل الألمان بكتيبة بريطانية قوامها 4 آلاف جندي في كاليه بفرنسا أيضًا، وعندما أخبروه أنها قد تباد عن آخرها كان رده ولكني سأنقذ 300 ألف آخرين. ولذلك ينتشر في العالم أجمع الآن فكرة التعامل مع وباء كورونا من منطلق سياسة مناعة القطيع، وهي سياسة تقوم على فكرة ترك الفيروس ينتشر في سياقه الطبيعي باعتبار أن البقاء في النهاية سيكون للأقوى مناعة، وأن النتيجة لن تتجاوز وفيات أي كارثة أخرى وربما تقل.

بعيدًا عن أي ملاحظات لك أو لي أو لغيرنا على نهج التعامل المصري مع أزمة كورونا ربما ليس هنا مجال ذكرها، إلا أنها في تقديري الشخصي قد تعتبر- حتى الآن-  تمثل النهج الأمثل وتقوم على فكرة محاولة إقامة التوازن المطلوب بين حركة الاقتصاد ومواجهة الفيروس. وعلى ذلك لا أجد أي حرج في الإشارة إلى أنه مما أثلج صدري المزاوجة التي أشار إليها الرئيس السيسي في تصريحاته خلال تفقده لمعدات وعناصر الجيش المشاركة في مواجهة كورونا، حيث أكد التزام الدولة الإنساني والأخلاقي تجاه مواطنيها بالحفاظ على حياتهم «أهلنا غاليين علينا.. أي إنسان مصري.. يهمنا أنه يبقي في أمان وسلام» في ذات الوقت الذي راح يحذر فيه من خطورة الانهيار الاقتصادي بإشارته إلى أن «حجم الضرر الناتج عن التوقف الاقتصادي أكبر من حجم الضرر الناتج عن الإصابة بكورونا». بهذا الفهم للأزمة وسبل التعامل معها أتصور أننا يمكن أن نتجاوزها بسلام وأقل قدر من الخسائر إن شاء الله.

[email protected]