عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

لم يدر فى خلدى حينما التقيت بالدكتور محمود حمدى زقزوق فى شهر ابريل من العام الماضى فى المؤتمر الدولى لكلية دار العلوم والذى تشرف بتكريم سيادته أنها ستكون آخر لقاءاتى معه، ولكنه فيما يبدو كان يحس ذلك بقوة وأصر قبل أن يغادرنا أن يأخذنى لنتمشى حتى سيارته وأهدانى أحدث مؤلفاته وهما «رحلة حياة – ذكريات وحقائق وتجارب حياتية» و«علم المقارنات الفلسفية» وفى الطريق أوصانى كثيرا بالاهتمام بهذا العلم الجديد وضرورة تعميمه فى أقسام الفلسفة بالجامعات المصرية وتعميم تطبيقاته وقال لى بأن الأساتذة فى الغرب وخاصة فى سويسرا والمانيا قد كتبوا عنه واعتبروه أحد مؤسسى هذا العلم على اعتبار أنه دعا إليه فى ثنايا رسالته للدكتوراه وكانت رسالة مقارنة بعنوان «المنهج بين الغزالى وديكارت». والحقيقة أننى سارعت إلى قراءة الكتابين وكتبت عنهما فى هذا المكان فى صحيفة الوفد وفى نفس هذا التوقيت من العام الماضى. وهآنذا أعود لأكتب عنه لا لرثائه أو لأنعيه، فالفلاسفة والمصلحون لا يموتون بل فقط يغادروننا بأجسادهم أما بروحهم وفكرهم فهم دائما معنا نقرأ لهم ونأخذ عنهم.

 ولاشك أن الدكتور زقزوق من تلك القامات الفكرية التى ستبقى طويلا فهو فى اعتقادى يعد أحد الأئمة المجددين على مدى التاريخ الاسلامى وتاريخ الأزهر الشريف ؛ فقد تميزت كتاباته فى الفكر الدينى كما فى الفكر الفلسفى بعقلانية شديدة وباعتدال فى الرأى وبوضوح فى المواقف قل أن يجود بهم الزمان، إنه فى يقينى يعد امتدادا لذلك التيار التجديدى النهضوى الذى بدأ فى أزهرنا الشريف مع الشيخ محمد عبده مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقد كانت كتاباته التنويرية الرائعة فى صحيفتى الأهرام والأخبار مثالا على مدى قدرته على تبسيط رؤاه الإصلاحية ليفهمها عامة الناس قبل خاصتهم. وكم سعدت حينما وجدت هذه المقالات وغيرها منشورة ضمن مطبوعات مكتبة الأسرة تحت عنوان «الفكر الدينى وقضايا العصر « ولعلى أكتفى هنا بعرض موضوعاتها ليتضح للقارئ أننا بالفعل أمام آراء تنويرية تجديدية ينبغى أن يقف أمامها دعاة تجديد الفكر والخطاب الدينى الآن لعلهم يردون الفضل إلى صاحبه فقد كان د. زقزوق أول من دعا إلى ذلك ونظم له المؤتمرات الدولية والاقليمية والمحلية وقد قامت وزارة الأوقاف بطباعة كل ذلك فى مجلدات لو اطلع عليها المتشدقون بالتجديد اليوم لكفتهم وزادت عن حاجتهم.

لقد بدأ مفكرنا دعوته إلى ذلك فى صحيفة اخبار اليوم فى 20 -10 – 2007م وتحت نفس العنوان « تجديد الفكر الدينى « مطالبا بتشكيل لجنة من 15 عضوا تتفرغ لعملها مدة كافية وتقوم بوضع خطة شاملة متكاملة لذلك تحدد فيها الموضوعات ذات الأولوية التى يمكن بحثها واعداد دراسات جادة حولها كما تحدد آليات محددة ومناسبة لتقوم الجهات المختصة وعلى رأسها الأزهر الشريف ووزارات الأوقاف والثقافة والاعلام والتعليم والشباب والتنمية المحلية وغيرها من الجهات المعنية بالتنفيذ. ولأكتفى فى هذه العجالة بذكر بعض عناوين الموضوعات التى تطرق إليها د. زقزوق فى هذا الكتاب صغير الحجم كبير القيمة الذى بدأه بالمقال الذى أشرنا إليه عن تجديد الفكر الدينى ثم كتب عن مقاصد الشريعة – الدين والخرافة – الدين والفلسفة – السنن الإلهية ومفاتيح الحضارة – الإرادة الانسانية والقضاء والقدر – الإيمان والحب – العقل الانسانى – التفكير النقدى والتطور الحضارى – الكم والكيف فى ميزان العقل والدين – فلسفة المقاومة – قيمة الوقت فى حياتنا – الأمن المجتمعى فى الاسلام – التواصل المعرفى بين التراث والحضارة – ظاهرة الزواج العرفى – التجربة المصرية فى تجديد الخطاب الدينى – الاسلام والغرب – الحوار الاسلامى المسيحى – الحوار والتسامح – الحقيقة المطلقة وحوار الأديان – ظاهرة الارهاب : الأبعاد والمخاطر وآليات المعالجة – دور القيم فى الحضارة – عودة الوعى الحضارى – قيمة الانتماء. ومن أهم ما كتب فيه دراسة عن الحضارة الاسلامية فى مواجهة التحديات المعاصرة حدد فيها مظاهر تخلفنا الحضارى وكيف نواجهها فى اطار قيم العصر والعلاقة مع الآخر والتفاعل مع الواقع العالمى الجديد وما فيه من عولمة وفى هذا يقول : إن قوة المسلمين الحضارية ستجعلهم قادرين على مواجهة كل التحديات الخارجية التى أتت بها العولمة المعاصرة ونحن لسنا مع أو ضد العولمة ولكننا مع النظرة النقدية الواعية للعولمة ولغيرها من التيارات الوافدة. وبالطبع فكما أننا قادرون على مواجهة التحديات الخارجية فنحن نستطيع إعمال العقل فى كل قضايا الفكر الدينى المستحدثة والتعبير عنها بخطاب عقلانى مبسط يفهمه عموم المسلمين فى أرجاء العالم، وهذه كانت الرسالة التى عمل عليها ومن أجلها د. زقزوق رحمه الله فكان بحق رائدا من رواد التجديد فى الفكر والخطاب الدينى المعاصر.

 

[email protected]