رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

 

 

قبل أن تقرأ.. ربما يجوز للأديب الكولومبي الراحل ماركيز أن يشعر بالفخر والتيه في قبره أن وفقته موهبته إلى نحت مصطلح شاءت الظروف بعد وفاته أن يتقدم الحديث الإنساني. فإذا كان ماركيز قدم رائعته «الحب في زمن الكوليرا».. فإنه انطلاقًا من الأجواء الشبيهة .. انتشار وباء .. لا حديث للكثيرين الآن- وأنا منهم بالطبع- سوى ربط كل مظاهر حياتهم بزمن كورونا. ولمَ لا والبشرية كلها الآن من أكبر دولة إلى أصغرها، من أغنى أفرادها إلى أكثرهم فقرًا، لا هم لها سوى وباء كورونا!

وإذا كان المثل يقول كل يغني على ليلاه، فإن «ليلى» البعض منا في مصر على ما أعتقد ما زالت قضية سد النهضة التي وصلت مفاوضاته إلى طريق مسدود إثر انسحاب إثيوبيا منها مؤخرًا رغم أن الاتفاق كان على الأبواب! تأمل الموقف على ضوء تداعيات انتشار كورونا والاهتمام الذي احتله الوباء لدى المجتمع الدولي بأكمله على كافة المستويات يشير إلى أن أزمة كورونا تفرض تحديات كبيرة على الأطراف المنخرطة في قضية سد النهضة وبشكل رئيسي على مصر، رغم الدبلوماسية النشطة التي انخرط فيها وزير الخارجية سامح شكري وتمكن من خلالها من إطلاع الدول الرئيسية عربيًا وأوروبيًا وإفريقيا على أبعاد الموقف وحقائقه.

وقد أشار إلى جانب من تلك التحديات تقرير نشرته وكالة بلومبرج كتبه تيموثي كالداس مستشار تقييم المخاطر بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط بواشنطن تركزت فكرته الرئيسية على ما يراه الكاتب من أنه مع انشغال العالم بتفشي وباء كورونا فإن الأزمة بين الدول المعنية بقضية سد النهضة، ستزداد حدة. وحسب التقرير فإن أكثر ما تخشاه القاهرة أن ترى أديس أبابا في انشغال واشنطن بشكل رئيسي بالوباء فرصة لها لمواصلة استراتيجيتها لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب.

إذا وضعنا في الاعتبار التطورات التي تواجهها الولايات المتحدة على مدار الأيام القليلة الماضية والتي تشير إلى احتلالها المرتبة الأولى في انتشار الوباء على مستوى العالم، ربما نصل إلى نتيجة بصحة توقعات بلومبرج على صعيد الموقف الأمريكي تحديدًا ما يشير إلى الفرصة التي قد تشعر بها أديس أبابا جراء هذا التطور، حيث كانت إثيوبيا تنظر بعدم إرتياح للموقف الأمريكي، بغض النظر عن أبعاده، والذي تراه يتبنى مواقف القاهرة، الأمر الذي وصل إلى حد توجيه ما يشبه الإنذار من وزير الخزانة الأمريكي لإثيوبيا بعدم ملء السد قبل التوصل لاتفاق، وكذا تأكيد الرئيس الأمريكي ترامب للرئيس السيسي في حديث هاتفي على التزام بلاده ببذل المزيد من الجهد للتوصل إلى اتفاق بين القاهرة وأديس أبابا بشأن سد النهضة. وفي ضوء سياسة الانتهازية الإثيوبية التي استغلت انشغال المصريين بثورة يناير لإقامة السد، فربما تستغل انشغال العالم بوباء كوليرا لإتمام عملية ملئه!

من خلال متابعة السلوك الإثيوبي وبرغم الإشارات المتناقضة فإن جوهره عبرت عنه «الأهرم ويكلي» في تقرير لها الخميس الماضي بالإشارة إلى أن كل مساعي أديس أبابا إنما تتركز على استنفاد الوقت من أجل تحقيق هدفها وعلى رأسها ملء السد باتفاق أو بدونه! ولعله من المؤشرات التي تعزز تلك الرؤية ما تم نشره مؤخرًا من أن إثيوبيا تروج حالياً عبر سفرائها في العواصم الغربية والإفريقية أنها على استعداد للعودة إلى المفاوضات مع مصر حول قواعد ملء وتشغيل سدّ النهضة، بشرط إبعاد وزارة الخزانة الأميركية عن الملف، وإلغاء جميع الصيغ التي سبق وتمّ الاتفاق عليها التي امتدت على مدار 3 أشهر تقريباً. وإذا كان لذلك من دلالة، حال افتراض قبول القاهرة لذلك، وهو افتراض مستحيل، فإنه لا يعني سوى أن أي تقدم أحرزته الوساطة الأمريكية سيضيع دون أمل في استرجاعه، فضلًا عما يكشفه هذا الطرح فيما لو كان دقيقًا ليس عن حجم التعنت الإثيوبي وإنما عما يمكن وصفه بالاستهتار الإثيوبي بالمفاوضات وفكرتها من الأصل!

غير أن الأمور لا يمكن أن تسير على هذا النحو تمامًا، وكما قال وزير الري المصري في حوار سابق له فإن «مصر دولة»، بل ودولة كبرى. وعلى هذا الأساس فإنه وبغض النظر عن الظروف التي تواجه العالم فإن لها مصالحها الخاصة التي لا يمكنها التفريط فيها وهو ما يؤكد عليه أيضًا تقرير بلومبرج بالإشارة إلى أنه «إذا لم تجد إثيوبيا نفسها ملزمة بالتوصل إلى حل للنزاع قبل الشروع في ملء السد فإن القاهرة ستشعر بأنها تقع تحت ضغط أن تلجأ إلى إجراء من أجل الدفاع عما تراه تهديدًا لمصالحها الحيوية».

إذا نظرنا للأمر من زاوية مختلفة فربما أمكن لنا أن نرى أن وباء كورونا ربما يمثل، على العكس، فرصة لمصر وليس لإثيوبيا لفرض تصورها، حيث يمكن للقاهرة القيام بما تراه ضروريًا من خطوات ضرورية «للدفاع عن مصالحها» وسط انشغال العالم بمواجهة الوباء ما يقلل من حجم ردود الأفعال غير المواتية التي كان يمكن أن تتم في ظروف مغايرة لا يعاني العالم معها من وباء كورونا. وبرغم أن مشكلة هذا الطرح أن القاهرة تتعامل مع الملف من إطار أخلاقي، فإن ما يجب أن يدعو للطمأنينة أن الدبلوماسية المصرية وبشكل خاص مع انطلاق مفاوضات واشنطن تتعامل بمنطق يؤكد أن الملف في أيدٍ أمينة!