حفنة كلام
تفاءل ولا تيأس فهنالك حجر صحى وحظر تجول فرض على العالم المكوث بمنازلنا دون الخروج منه، واكتشف كل منا جو الأسرة الذى ربما نسيناه فى السعى نحو العمل والرزق؛ ومن عجب أن بعض المصريين الذين كانوا يبصمون صباحًا ويهربون حتى بصمة الانصراف عندما طُلب منهم المكوث بمنازلهم يودون الخروج منها للشوارع معرضين أنفسهم وغيرهم لخطر متربص بالبشر.
أقول: هذه الإجازة الإجبارية لماذا لا نجعلها فرصة للدفء الأسرى وعودة اللمة بشرط إغلاق الهواتف الذكية والغبية، لماذا لا يتعرف كل منا على أفراد أسرته ويسأل هاتفيًا عن أهله وأصدقائه بحيث يغدو التباعد الاجتماعى طريقا افتراضيًا للتقارب الاجتماعي؟
لماذا لا نستغل هذا المكوث الإجبارى بالمنزل لاكتشاف الآخر الساكن معك؟ كان النفّرى يقول: «العادة حجاب» كسّر حُجُبَ العادة واستمتع بوقتك مع أهلك، حاولوا أن تتقاربوا وأن تتحابوا، اجعلوا وقتكم فرصة للتسامح ووقتًا للقراءة ومحاسبة النفس، راجع ما فعلت مع أهلك مع أصدقائك وزملائك، سننجو إن شاء الله من هذا الوباء لكن اجعل المحنة منحة وابدأ بغرس شجرة المحبة مع من حولك، تذكرْ جارك الفقير وأطفاله البؤساء، وتدبر فى النعم التى أنعم الله بها عليك، وفكّر فى نعمة الخروج من المنزل والذهاب للعمل الذى كان بعضنا يتأفف منه، وكيف كان أبناؤنا يذهبون لمدارسهم وجامعاتهم فى أمن وأمان.
تذكر أنك لست وحدك فى هذا الكون وأن نبت الخير لا يزال فى قلبك فتش عن الحب والخير والتسامح واطوِ الحقد والدسائس والبغضاء والمؤامرات وافتح صفحة جديدة مع الجميع.
وأنت جالس فى بيتك تذكر هؤلاء الذين لا بيوت لهم والذين اتخذوا من المنافى وخيام الملاجئ بيوتًا. ولا تنس أن تُرجع حقوق العباد عليك فإن كنت قد اغتصبت إرث أختك فأرجعه لها غير منقوص، وإن كنت قد ظلمت أحدًا فليقتص منك واطلب منه السماح، وحاول أن تبيت فى بيتك وأنت نقى القلب صافى الفكر جميل الروح.
حاول أن تتذكر أنك ضجر من المكوث بيتك فى الوقت الذى يتمنى فيه طبيب فى المستشفى أن يرى بنته لأنه ماكث هناك يتلقى المرضى غير آبه بمصيره فربما يصاب فى سبيل شفاء الحالات الواردة.
تذكر أن ضباطًا وجنودًا يجوبون الشوارع والحدود خوفًا عليك وعلى ممتلكاتك وصحتك وتأمينًا لحدودك فكيف تضجر؟
حاول أن يكون الحجر الصحى الاختيارى بداية للحب والتسامح، ثق بالله وابدأ بنفسك واستمتع بالهدوء وفتش فى ذاتك ففيك انطوى العالَمُ الأكبر.
• مختتم الكلام
قال محمود درويش:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة.