رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

ربما يكون فى عنوان هذا المقال قدر من التزيد أو التجاوز، باعتبار أنه يحدد لنفسه مهمة من الصعب إن لم يكن من المستحيل إنجازها على النحو السليم، ذلك أن مثل هذا الأمر إنما يتم من خلال استطلاع رأى ممنهج يقوم على أسس علمية سليمة، وإلا اعتبر حديث مقاهٍ! غير أن التساؤل يبقى قائما حتى ولو لم تكن هناك إجابة جاهزة له أو سيتم التفكير فى مثل هذه الإجابة، على أساس أهمية مثل هذه الاتجاهات فى تحديد الوجهة التى يتخذها صانع القرار فى تعاطيه مع أزمة المفاوضات فى اثيوبيا، فالمواطن، فى النهاية ، هو الهدف الأول والأخير من أى تحرك للدولة لتحقيق مصلحته ورفع الضرر عنه ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

على خلفية هذه الرؤية نشير إلى أن واقع الحال يكشف عن أن وسائل التواصل الاجتماعى أصبحت تمثل مرشدا على الأقل للمعرفة الأولية لاتجاهات المواطنين – سواء فى مصر أم فى غيرها – تجاه مختلف القضايا التى تهمهم وتشغل بالهم. إذا أردت مثالا محددا وطازجا أسوق لك ذلك المتعلق بالموقف من الممثل والمغنى محمد رمضان والذى أمكن للكثيرين بناء على ما انتشر على الفيس بوك التأكيد بأنه أصبح ملفوظا من الرأى العام المصرى خاصة فى ضوء أزمته الأخيرة مع الطيار والتى ليس لدى الكثير من تفاصيلها أو أبعادها!

على ذلك ومن خلال متابعة متأنية لوسائل التواصل، خاصة الفيس بوك يمكن القول بأن تلك الاتجاهات تجاه أزمة سد النهضة تتعدد وتتباين بشكل كبير إلى حد يمكن معه التأكيد على أنها تتراوح من عدم المعرفة بالموضوع من الأصل، وهو الاتجاه الذى يبدو أنه الغالب والذى يمثل القطاع الأكبر من المصريين، فيما هناك فى الطرف الآخر من يدعو إلى لجوء مصر لأقصى الخيارات صعوبة فى التعامل مع الأزمة وهو الخيار العسكري، وهو اتجاه لا يمثل عددا كبيرا من الأفراد والسمة الغالبة على أصحابه ممن يتبنونه أنهم ممن تغلب عليهم الحماسة من بين العامة من المصريين.

فيما بين هذين الاتجاهين تأتى مواقف أخرى تعبر عن تلك النوعية التى يمكن أن يعتد بها صاحب القرار وتتسم بقدر من المعقولية والحكمة والرشادة ويتمثل أحدها فى الدعوة إلى اعتماد أقصى طاقات ضبط النفس وعدم الانجرار وراء ما يبدو من مساع إثيوبية لجر مصر إلى حرب والتأكيد على أن الجهود الدبلوماسية ستأتى فى النهاية بثمارها وتجاوب أديس أبابا معها فى ظل عدالة الموقف المصري. ويتسق هذا الموقف مع السياسة العامة التى تنتهجها الدولة تجاه أزمة سد النهضة. اتجاه آخر يشير إلى أن مصر تعاطت بقدر كبير من الصبر مع القضية بشكل يخشى معه من أن يكون الأوان قد فات على الحل الدبلوماسى وأن مؤدى ذلك هو التلويح بشكل أكثر وضوحا باتساع الخيارات أمام مصر بالإشارة إلى أن الحل العسكرى غير مستبعد تماما. فيما يأتى اتجاه ثالث بين هذين الاتجاهين الأخيرين يدعو إلى ما يعتبره سياسة الغموض البناء، وهو التشويش على طبيعة الموقف المصرى الذى تعتزم القاهرة انتهاجه باعتبار أن ذلك يوسع من قاعدة حركتها، حيث يمثل وسيلة للردع وفى ذات الوقت عدم اتاحة الفرصة لإثيوبيا أو غيرها للتنديد بمواقف مصر أو اتخاذها ذريعة فى أى تطورات مستقبلية لحل الأزمة وحسمها.

رغم ما قد تراه من تنوع فى حدود التناول الذى تقدمه سطور هذا المقال، إلا أن القراءة المتأنية والفرز الدقيق لتلك المواقف يمكن أن ينتهى بك إلى نتيجة مؤداها أن ذلك ليس سوى تنوع فئة العشرة فى المئة أو الخمسة عشر بالمئة من مجموع المصريين، وأنه تنوع لا يشمل كل المواطنين. وهى نتيجة أتصور أنها صحيحة، ولعله مما يؤكد على صدقها ما ذهب إليه الباحث والكاتب الدكتور جمال عبدالجواد، فيما ربما يعبر عن الرؤية المصرية، بتأكيده أنه يجب عدم إرهاب الرأى العام فى مفاوضات سد النهضة. وقد أشار الرجل فى ذلك الصدد بشكل واضح فى مقاله الذى نشر فى جريدة الأهرام الخميس الماضى إلى أن مصر نجحت فى تحرير قضية سد النهضة من الجدل الإعلامى والسياسى وعقلنة النقاش العام حولها.

 ومنطق عبدالجواد فى ذلك، وربما منطق من يذهب المسلك ذاته على المستوى التنفيذى الذى يشير إليه واقع الحال فى مصر أن ضغط الرأى العام هو أصعب أنواع الضغوط التى يمكن أن يتعرض لها المفاوض؛ ويجعل من مهمته شديدة الصعوبة. ورغم أن وجهة النظر تلك لها قدر من الوجاهة، إلا أن الرؤية النقيضة ربما تتمتع بقدر أكبر من الوجاهة، حيث يمكن أن يمثل الرأى العام أكبر داعم للمفاوض خاصة فى مثل تلك القضية بما تحتله من حيوية لدى المصريين، وفى ذات الوقت يتيح له المجال للمناورة، على غرار ما فعل الخصم – إثيوبيا – فى موقفه الأخير حيث تخلى عن التفاوض تحت دعوى الحاجة إلى التشاور الداخلي، وهو الأسلوب الذى يعكس خبرة تفاوض إسرائيلية من المؤكد أن أديس أبابا استعارتها من تلك أبيب.

بغض النظرعن الأسلوب فإن جل أمل المواطن المصرى هو نجاح المفاوض فى الحفاظ على حقوقه التى يسود يقين لدى جميع المصريين، مواطنين ومسئولين، بأنه من المستحيل التفريط فيها.  

[email protected]