رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى تقديري، وأتمنى أن أكون مخطئا، أن الأجواء السياسية لأزمة سد النهضة التى نمر بها حاليا ربما تشبه فى بعض جوانبها الأزمة التى واجهتها مصر عام 1967 مع الوضع فى الاعتبار الاختلاف فى الظروف والأحوال وطبيعة العدو. إنها أزمة تتعلق بقضية مصيرية تتسارع الخطوات بشأنها وتفرض على صانع القرار اتخاذ موقف والمبادرة إليه قبل أن يقع الضرر على الدولة. ولعله من هنا وتأكيدا لهذا الطرح يمكن استيعاب التحول الحاصل فى الرؤية المصرية، رغم محدوديته فى لغة الخطاب بشأن نهج التعامل مع المفاوضات بعد أن بات الخطر على الأبواب بالفعل فى ضوء مواقف الطرف الإثيوبى المتعنتة.

وإذا كان صاحب هذه السطور قد أشار فى مقال الأسبوع الماضى إلى نذر أزمة تلوح فى الأفق قد تعطل التوقيع على اتفاق نهائى بشأن سد النهضة، وهو ما تحقق بالفعل، فإن تطورات الأيام القليلة الماضية، بعيدا عن التشنج أو البرود، تبدو بالغة السخونة والتأثير وتشير إلى أن الأزمة ربما دخلت فصولها الأخيرة بعيدا عن قضبان المفاوضات! ويتمثل التطور الأبرز فى إعلان إثيوبيا من طرف واحد أنها ستواصل بناء السد وملء الخزان، الأمر الذى ربما لو تم – رغم تشكيك عديدين فى إمكانية حدوثه لأسباب عديدة فى تصورهم – سيفرض واقعا جديدا يضر بالموقع التفاوضى لمصر ويعزز موقف إثيوبيا.

إذا وضعنا فى الاعتبار أن الموقف الأثيوبى يأتى على النقيض مما يمكن اعتباره توصية أمريكية بعدم ملء السد دون التوصل إلى اتفاق، وعلى نقيض تأكيد مصر أنها لن تقبل بأى حال من الأحوال فرض أمر واقع فى قضية السد، فإن الأمر يتحول إلى «صراع إرادات» الحسم فيه لمن يملك القوة سواء التفاوضية أو العسكرية. ورغم تغليب الطرف المتضرر وهو مصر أساسا، لمبدأ إنجاح عملية المفاوضات ما يعنى استبعاد – مرحلى – لأى خيارات أخرى، إلا أن المشكلة أن الجانب الإثيوبى يدفع بالقضية تجاه ما يسمى بـ«سياسة حافة الهاوية».

ومن هنا يمكن استيعاب رد الفعل المصرى على الموقف الإثيوبى والذى يتمثل حسب بيان الخارجية فى أن حسن النية فى المفاوضات لم يؤت ثماره، وهو ما يعنى إقرارا ضمنيا بضرورة اعتماد نهج بديل لهذا الأسلوب بمزيد من الحذر وتفسير مواقف الطرف الإثيوبى انطلاقا من كافة الاحتمالات بما فيها احتمال التلاعب وتعمد المماطلة من أجل فرض موقفه! على هذا النوع من الفهم يمكن النظر لتأكيد مصر على أنها ستستخدم كل السبل الممكنة للدفاع عن مصالح شعبها!

إن أبسط تصور لمجريات الأزمة يشير إلى أن التعاطى معها إنما يجب أن ينطلق من عملية «تقدير موقف» وهى تلك العملية التى توفر بما تتطلبه من ترتيبات وإجراءات وتعدد الأطراف المنخرطة فى القيام عليها، الأجواء السليمة لاتخاذ القرار المناسب والمتوافق مع الظروف التى يواجهها صانع القرار، وبما يحفظ للدولة أهدافها.

فى هذه العملية لتقدير الموقف هناك العديد من الأسئلة التى تفرض نفسها وتتطلب الإجابة عنها بإلحاح ومن هذه الأسئلة: إذا كان أطراف المفاوضات يؤكدون أنه تم حسم نحو 90 بالمئة من قضايا التفاوض، فهل تدخل النسبة الباقية فى القضايا الجوهرية التى قد يترتب على عدم توقيع اتفاق بشأنها نزاع قد يرتقى إلى عمل عسكرى بين الطرفين؟ هل يمكن لمصر أن تقبل التغاضى عن هذه الجوانب الخلافية على أمل حسمها وفق رؤيتها مستقبلا وأن عدم تحقق ذلك لن يلحق ضررا كبيرا بها؟ هل يمكن أن يكون الموقف المصرى القائم على حسن النية منذ بدء المفاوضات مبررا لإثيوبيا للتهرب بالكامل من استحقاقات المفاوضات بما فيها تلك التى تم التوافق عليها رغم عدم دخولها وضع التوقيع؟ ما هو مدى جاهزية المصريين لأى رد فعل يأتى دفاعا عن المصالح المصرية؟ ما هو ميزان القوى التفاوضية وغير التفاوضية للطرفين؟ ما طبيعة موقف الطرف السودانى حال تطور الأزمة إلى أشكال أخرى تتجاوز المفاوضات؟ وما حجم المساندة والدعم العربيين للموقف المصرى من تصاعد الموقف؟

ما حسابات الطرفين وقراءتهما لموقف المجتمع الدولى تجاه الأزمة؟ وما هى أبعاد التعنت الإثيوبى حتى فى مواجهة الولايات المتحدة؟ وهل هناك نوع من التنسيق بينهما على نحو لا تشعر معه اثيوبيا بإمكانية حدوث ضغوط أمريكية بما لواشنطن من قوة على المستوى الدولى لإثنائها عن موقفها؟ أم أن الولايات المتحدة ستلقى بكل ثقلها من أجل تنفيذ ما تم التوصل إليه حفاظا على وضعها وكرامتها أم تتراجع لتترك الكرة فى ملعب طرفى الأزمة؟ ما موقف دول الاتحاد الإفريقى من الأزمة؟ ومن تطوراتها فى أى اتجاه يكون؟ وهل تشعر مصر باستنفاد أساليبها التفاوضية على نحو يجعلها تلجأ إلى منظمات دولية كورقة تفاوضية أخيرة قبل ملء السد؟ وما سر شعور أديس أبابا بتلك القوة فى مواجهة مصر رغم أن موقف الأخيرة يؤكد ضرورة تحقيقها للتنمية من خلال السد؟ أى لا يمانع فى الإنشاء بما فى ذلك قبول وقوع ضرر محدود؟

بغض النظر عن توصيات أى تقدير للموقف، فإن الطرف المصرى ليس أمامه سوى الخروج بتحقيق مطالبه، والتى لا يملك ترف التفريط فيها باعتبار أن مياه النيل بالنسبة للمصريين مسألة حياة ولن تكون إن شاء الله مسألة موت!

[email protected]