رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

من الظواهر اللافتة للنظر فى  الشارع المصري  هذه الأيام كثرة مظاهر الغضب بين الناس فى الشوارع وفى أماكن العمل وفى كل مكان،  حيث تجد هذا يصيح فى ذاك وتتطاير من أعينه الشرر وهذا يسب ذاك دون سبب واضح أو لمجرد أنه تخطاه بسيارته أو تقدمه فى قضاء مصلحة أو تخطاه فى ترقية لم تكن أصلا من حقه.. الخ. والحقيقة العلمية تقول إن الغضب من أشد أعداء صحة الانسان فهو المسبب للكثير من الأمراض خاصة أمراض الضغط والقلب. والطريف أن الفلاسفة قد تنبهوا منذ قديم الزمان إلى أهمية مناقشة موضوع الانفعالات وأثرها على الانسان ومعظمهم أكد ضرورة تجنب الانفعالات الحادة عموما وخاصة انفعال الغضب، بينما نجد أن بعضهم الآخر وان كانوا قلة  قد أشاروا إلى قيمة الغضب وضرورته وأشادوا بجوانبه الايجابية؛ فالغضب عند أرسطو كما وصفه فى «الأخلاق إلى نيقوماخوس» ضرورة ولا يمكن أن يؤدي نضال إلى نصر دونه حيث يعبئ العقل ويشعل الروح وبالطبع فإن مواجهة الأعداء فى أي حروب لابد أن يكون دافعنا إليها الغضب منه وكلما اشتد غضبنا واعتمل فى النفوس وملأ الأرواح جد الجندي فى ميادين المعركة واستخدم كل قوته ومهاراته للانتصار على العدو وخاصة إذا كان غضبه لحقوق استلبها هذا العدو أو تحريرا لأرض استولى عليها أو دفاعا عن العرض والشرف!!

وبالطبع فإن الغضب يمكن أن يكون دافعا جيدا لتحفيز الهمم لاسترجاع الحقوق وطلب العدالة بين الأفراد بعضهم البعض أو بين الأفراد ونظمهم السياسية، إذ يعد الغضب من أهم أسباب التمرد والثورات فى ظل أي نظم سياسية تخالف المبدأ السياسي الذي قامت عليه أو يستأثر القائمون بالحكم فيها بالسلطة ويتجبرون على الناس أو يكنزون الثروت أو يسمحون باستشراء الفساد والظلم فى دولهم؛ فكثيرا ما يغضب عامة الناس والفقراء ويثورون طلبا للمساواة وللعدالة وحسن توزيع الثروات فى ظل الحكومات الارستقراطية أو الديكتاتورية، وأحيانا ما يحدث العكس حيث يمكن أن يغضب الأرستقراطيون ويثورون حفاظا على ثرواتهم ومكتسباتهم الطبقية حينما تتهدد بفعل أي اصلاحات طبقية تدعو إليها الطبقات الدنيا أو النظم السياسية الديموقراطية والاشتراكية. وفى كل الأحوال فإن للغضب صورا متعددة محمودة حينما يكون غضبا محدودا بقضاء مصالح أو المطالبة بحقوق مشروعة، ولاشك أن الالتزام بالقانون وعدم التعدي على حقوق الآخرين هو شرط الغضب المحمود!

ولعل هذه المقدمة عن الغضب بوجهيه المحمود والمرفوض تقودنا بداية إلى التساؤل عن ماهو الغضب؟!

وهنا نجد أنفسنا نتجه إلى واحد من أعظم الفلاسفة الذين اهتموا بدراسة الغضب فى تاريخ الفلسفة وهو الفيلسوف الرواقي الشهير سينكا الذي كتب رسالة مطولة عن الغضب وقد أحسن مترجمه المعاصر د. حمادة علي صنعا بنقلها إلى اللغة العربية، لقد عرف سينكا الغضب بأنه «الرغبة فى الانتقام لخطأ أو الرغبة فى عقاب امرئ تحسب أنه أحدث لك ضررا» وهو يحذرنا بداية من «أن الغضب يحول كل شىء من حسنه وصلاحه للنقيض ويسبب لأى امرئ سطوته للقيام بالواجب؛ حيث يجعل من الأب الغاضب عدوا، ومن الابن الغاضب قاتلا لأبيه، ومن الأم زوجة أب، ومن المواطن الأصيل عدوا غريبا وملكا طاغية» وعموما فهو يعتبره شرا رغم تعدد الصور التى يبدو عليها «فهناك غضب ينحدر إلى صراخ مقتضب وبعضها ارتعاش مألوف وعويص وبعضها جسدي موحش وليس لفظيا تماما وبعضها صور لا تتعدى الشكوى والاستياء وبعضها دفين مؤثر ومتشعب باطن». ويتشكك سينكا فى قيمة ما ينسبه البعض للغضب من ايجابيات فيقول «لا ينبغي قبول أشكال السلوك الفاسدة لمجرد أنها كانت فعالة بمسلك ما فى وقت ما؛ فالحمى تخفف أنواعا معينة من المرض ولكن لا يعني ذلك أنه ليس من المفضل أن نتحرر منها تماما: إنه نوع بغيض من العلاج يضع الصحة فى دين المرض، وبطريقة مماثلة حتى لو كان الغضب -  يشبه سما أو سقوطا من جرف أو غرق سفينة - مفيدا بشكل غير متوقع لا ينبغي الحكم عليه بالصحة لأن عواقبه غالبا وبائية».

والسؤال الآن: إذا كان الغضب فى معظم صوره شرا لدى سينكا مثله مثل كل الانفعالات لدى أقرانه من الرواقيين؟ فما الطريق للنجاة من هذه الانفعالات عموما وانفعال الغضب على وجه الخصوص؟!

هذا موضوع مقالنا القادم ان شاء الله.