رؤى
ما هو الكذب؟، من هو الشخص الذى يمكن أن تصفه بالكذاب؟، هل الكذب هو تزييف الحقيقة أم حجبها أو اخفاء جزء منها أم مخالفتها؟، ما الفرق بين الواقع والحقيقة فى الكذب؟، وهل كل ما يخالف الواقع والحقيقى والمتواتر يعد كذبا؟، هل الخيال القصصى والشعرى والسيرى والاعلامى والنكتة يمكن إدارجها فى بند الكذب؟، هل كل قول أو فعل أو إشارة خاطئة تعد كذبا؟.
زمان كانوا يقولون لنا: الكذب كذب، كان أبيض او أسود هو فى الآخر كذب، ولم نعرف أيامها هل لأنه يخالف الواقع أو الحقيقة أو العادات؟، وكانوا يحرمون الأسود وينهون على مضض عن الأبيض، لأنه حسب تعريفهم هو كل ما لا يترك أو يتسبب فى ضرر.
قبل فترة تلقيت من د.حمدى الشريف مدرس الفلسفة بكلية الآداب جامعة سوهاج، كتابه « فلسفة الكذب والخداع السياسى»، عرض فيه العديد من تعريفات الكذب، ابتداء من معاجم اللغة العربية، ومرورا بتعريفات بعض الفلاسفة.
اهم ما يشدك فى الكتاب الأسلوب بسيط ومباشر ومختزل، د. حمدى قرأ واستوعب جيدا المادة التى يحتاجها كتابه، ثم صاغها بأسلوبه دون تعقيد، واللافت أنه اعتمد فى بحثه على المصادر الأجنبية، ولم يستعن بمرجع عربى، اللهم بعض المؤلفات الأجنبية التى تم ترجمتها.
د. حمدى انشغل بفكرة الخداع السياسى، أو الأكاذيب التى يستخدمها الحكام وأنواعها وتأثيرها وقيمتها، لذلك تجنب الحديث عن الكذب لدى العرب المسلمين عبر التاريخ، مع ان المكتبة العربية مليئة بالكتب والكتاب الذين تناولوا الكذب فى صوره المتعددة، حدده علماء السنة فى كتب الجرح والتعديل، وضعوا شروطا للتمييز بين الأخبار الصحيحة والكاذبة او المدلسة، ووضعوا غيرها فى تمييز الرواة الثقات، وتضمنت الأدبيات العربية العديد من المصطلحات فى هذا السياق، مثل: الوضع، التدليس، والانتحال، وغير ثقة.
الكذب حسب الكتاب، هو كل فعل أو قول او تقرير أو اشارة تخالف الحقيقى والواقعى والمتفق عليه، إما بالتزييف او بحجب بعضه أو جميعه، ويشترط فيه النية، أن تتعمد الكذب، ود.حمدى ميز جيدا، حسب تعريفات الفلاسفة، بين الكذب غير المقصود الذى يقع تحت مفهوم الخطأ، وبين الكذب المصطنع بغرض المتعة والتسلية، مثل المستخدم فى القصة والشعر والرواية والسيرة والنكتة، وغيرها من الأجناس الفنية التى ترتكن إلى الخيال، وميز أيضة بين الكذب الأبيض، والكذب الأسود، الأبيض هو الكذب النبيل، والذى صكه الفيلسوف اليونانى أفلاطون، وعرفه بانه الذى يهدف إلى تدعيم العدالة والفضيلة، وللحديث بقية.