رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

المتابع لمفاوضات سد النهضة التى جرت فى واشنطن لا بد أن يصاب بقدر كبير من الدهشة والحيرة، ويوقن أن المفاوض المصرى يتمتع بصبر أيوب، لو افترضنا أن مثل هذا النوع من الصبر يمكن أن يوجد فى مفاوضات بين الدول. ذلك أن النتيجة التى يمكن أن يخرج بها مثل هذا المتابع – الذى قد يكون انت أو أنا–هو أنه إذا كان للمراوغة والمماطلة حدود، فإن الأمر لدى دولة مثل أثيوبيا أو لدى المفاوض الأثيوبى ليس كذلك.. فهذا المفاوض يماطل ويماطل، وسيظل يماطل ويماطل حتى يتحقق له هدف محدد يراه رأى العين هو استكمال إنشاء السد ووقتها قد لا يكون للمفاوضات معنى وهو أمر أشرنا وأشار الكثيرون إليه من قبل!

وقد يكون من قبيل المبالغة فى الهواجس على خلفية هذا النوع من التفكير تفسير زيارة رئيس الوزراء الأثيوبى لموقع السد، بعد يوم من انتهاء جولتها الأخيرة المفترضة أمس الأول، والتى لم تصبح أخيرة، على أساس أنه تم تحديد جولة أخرى، حيث توحى الزيارة وكأن آبى أحمد يحدد مسار المفاوضات بناء على المدى الذى وصلت إليه عمليات الإنشاء فى السد، على أساس أن تتناسب جرعة المماطلة مع جرعة البناء فى السد!!

ولعله من هنا تأتى أهمية التصريح الذى أدلى به وزير الخارجية المصرى سامح شكرى بأن الجولة الأخيرة للمفاوضات التى تم تحديدها بـ 30 فبراير الجارى تمثل تاريخا نهائيا لن يتم تجديدها، لأن فى أى تجديد فى تقديري–وربما فى تقدير المفاوض المصري–إساءة لنا ولقدراتنا التفاوضية فى ضوء حقيقة أن مصر ذات خبرات لا يستهان بها فى عمليات التفاوض بشكل عام بحكم كونها طرفا فاعلا سواء على المستوى الإقليمى أم الدولي.

تجد هذه الرؤية التى تنطلق من تصور أن المفاوض الأثيوبى يماطل ويمعن فى المماطلة، ليس فقط من استمرار المفاوضات لسنوات عدة بدأت منذ ظهور أزمة بناء سد النهضة، فربما كانت تلك مرحلة وانتهت، ولكن من اللحظة التى تم خلالها التوصل إلى اتفاق على تدخل وسيط دولى رغم أن أثيوبيا يبدو أنها لا تعترف بمثل تلك الوساطة وإنما انجرت إليها بحكم صعوبة رفضها حيث جاءت على شكل دعوة أمريكية لأطراف الأزمة للتلاقى فى واشنطن ومواصلة المفاوضات وهو ما يشير إلى أن أديس أبابا تقبل تدخل الولايات المتحدة على مضض!

وقد انتهت الجولة الأولى من المفاوضات فى واشنطن إلى الاتفاق على تحديد منتصف يناير الماضى كموعد للتوصل إلى اتفاق، غير أن هذا الموعد والذى جاء تحديده من قبل الوسيط، يبدو أن الطرف الأثيوبى وجد أنه غير مقدس، فكان تعثر المفاوضات أو عدم توصلها إلى اتفاق نهائى وهو ما استدعى تأجيل الحسم إلى جولة أخرى تتم فى 28 يناير، كان من المقرر أن يتم خلالها الإعلان عن الاتفاق النهائي، وهو ما جاءت نتيجة المفاوضات على خلافه فكان التأجيل المفترض الأخير إلى نهاية فبراير.

لقد كان المتصور مع الإعلان عن تدخل الولايات المتحدة، بما لها من نفوذ أن يتم حسم الأمر من خلال صيغة حل وسط ربما تتطلب تنازلات من الطرفين. وفى ضوء حقيقة أن مصر لم تكن من البداية تمانع فى مراعاة الاعتبارات التى يقدمها الجانب الاثيوبى وتأكيدها على حقه فى التنمية فإن موقفها لم يكن به مشاكل كثيرة تذكر تتجاوز تمسكها بحقها فى انتظام تدفق مياه النيل على ما كان عليه من قبل.

ومن هنا – ولاعتبارات كثيرة أخرى – بدا وجود قدر كبير من التوافق فى الرؤيتين المصرية والأمريكية عبرت عنها التصريحات الصادرة عن ممثلى الطرفين فى المفاوضات. وعلى هذا لا يمكن تفسير ما يجرى أمام أعيننا سوى باعتباره تعنتا من الجانب الاثيوبي، خاصة فى ضوء ضعف الحجج الذى يستند إليها والذى يتمثل جانب منها حسب تصريحات سفير أديس أبابا لدى الولايات المتحدة فى أن بلاده لن تقبل أى اتفاق لا يعترف بحقها فى استخدام مياه النهر، وهو كلام فضفاض ومرسل ليس له من معنى سوى تأكيد المماطلة! ويثير ذلك التساؤل حول أبعاد أو سر صمود الجانب الأثيوبى أمام ما قد يكون مارسه الجانب الامريكى من ضغوطات لو افترضنا أن الأمور سارت على هذا النحو!

بغض النظر عن مسار المفاوضات وما إذا كانت امتدت لجولة أخيرة أم غير أخيرة، فإنها تدور على الأقل بالنسبة للمفاوض المصرى فى ظل حقيقة أساسية يجب ألا تغيب عن ذهنه لحظة، أو حتى تغيب عن بال أى من أطراف التفاوض وتتمثل فى أن أثيوبيا عاشت حياتها منذ أن ظهرت على وجه الارض بدون سد مثل سد النهضة، ما يعنى أن إنشاءه ليس عملية مصيرية بالنسبة لها، فيما أن مصر منذ فجر التاريخ يرتبط وجودها بتدفق النهر، وانعدام هذا التدفق يعني– لا قدر الله – اندثارها من على وجه الأرض! وهو الأمر الذى لخصه الرئيس السيسى بتأكيده على أن الحق فى الحياة يتقدم على الحق فى التنمية.. وهى معادلة شئنا أم أبينا لن تتغير مهما كان مسار المفاوضات او نتيجتها! ومهما وصلت الأزمة لمستوى أكبر من التصاعد أو التصعيد!

[email protected]