رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

كتب شاعرنا الكبير الأستاذ فاروق جويدة فى جريدة «الأهرام» مقاله الأسبوعى يوم الجمعة الماضى عن أزمة اللغة العربية وعن حالها مع الأجيال الجديدة التى لم تعد تعرف لغتها الأم ولم تعد تعرف شيئاً عن تاريخها وفنونها الأصيلة وتعيش حالة من الضياع والتغريب! وقد أثارت هذه المقالة الشجون، وأعادتنى إلى تأمل هذه القضية التى كثيراً ما كتبت عنها وكثيراً ما ناقشها الكتَّاب والمفكرون والعلماء، ومع ذلك لا تلقى آذاناً صاغية ممن بيدهم الأمر والنهى سواء كانوا فى السلطة السياسية، تنفيذية كانت أم تشريعية، أو كانوا ممن بيدهم أمر إصلاح نظمنا التعليمية!!

إن هذه القضية أيها السادة فى كل سلطات الدولة هى فى رأيى المتواضع قضية أمن قومى من الطراز الأول؛ لأنها تتعلق بالحفاظ على هوية الأمة؛ إذ كيف نكون عرباً دون التحدث بلغتنا وإتقانها؟ كيف نكون عرباً ونحن لا نعلم أولادنا اللغة العربية وتاريخها وعلومها؟

كيف نكون عرباً ونحن نهمل ترجمة العلوم، كل العلوم، إلى لغتنا العربية؟ كيف نكون عرباً ونطمح إلى المشاركة فى حضارة العالم المعاصر دون تعريب العلوم وتوطين المعرفة العلمية وتملك العلم وليس مجرد استيراده واستهلاك تكنولوجياته؟!

كيف نكون عرباً، ونفخر بعروبتنا، وبأننا أمة القرآن الذى أنزله الله إلينا بلسان عربى مبين، وبعض الدول العربية تكتب فى الكتب الدعائية لها وتنشرها وتوزعها على طائراتها وفى مطاراتها أن اللغة الأولى فيها هى اللغة الإنجليزية؟!

كيف نطلب من العالم الآخر احترامنا واحترام ثقافتنا ولغتنا رمز هويتنا ونحن أنفسنا نفخر بالتشدق والحديث باللغات الأجنبية ولا نحترم لغتنا، ولا نصر على أن تكون لغة الحديث ولغة التعليم الوحيدة فى بلادنا، ولغة الحديث فى مؤتمراتنا ولقاءاتنا الدولية مع زعماء العالم الآخر وعلمائه ومفكريه؟! كيف نكون عرباً ونحن نسمح بانتهاك اللغة العربية فى كل جوانب حياتنا، فنسمى معظم المدن والمشروعات والمحلات والأسواق والشوارع وغيرها بمسميات أجنبية؟! كيف نكون عرباً ونحن ننظر إلى لغتنا هذه النظرة الدونية ولا نقدرها حق قدرها؟!

إن مكانتنا وهيبتنا وكرامتنا وسط الأمم والشعوب الأخرى تعتمد فى الأساس على كوننا عرباً، وعلى أن لغتنا هى اللغة العربية لغة القرآن والدين الإسلامى، وهى التى كانت لغة الحضارة والعلم طوال العصور الوسطى حتى مطلع العصر الحديث، حيث بدأت الحضارة الأوروبية الحديثة بترجمة كل النتاج الحضارى المتقدم من لغتنا العربية إلى اللغة اللاتينية، وهى أصل كل اللغات الأوروبية الحديثة. وأعجب ممن يتصورون أن تقدمنا العلمى والحضارى اليوم مرهون بإتقاننا للغات الأوروبية والتعلم بها، وأعجب من أولئك الذين يتصورون أنه كلما تعلمنا باللغات الأخرى تقدمنا، واستطعنا المشاركة فى ركب الحضارة العالمية وتقدمها العلمى والتكنولوجى!! فالحقيقة هى عكس ذلك تماماً..

وانظروا حولكم شرقاً وغرباً، فستجدون أن كل دول العالم المتقدمة لم تتقدم إلا بتوطين المعرفة العلمية واستنبات البيئة العلمية على أرضها ونشر العلم بلغاتها القومية؛ لأن من شأن ذلك المساهمة فى نشر الثقافة العلمية واستيعاب المعارف العلمية باللغة القومية، ومن ثم تنشأ القدرات الابتكارية والإبداعية لدى شباب الباحثين الذين مهما تعلموا اللغات الأجنبية فلا يستطيعون استيعاب العلوم والنظريات العلمية بنفس القدر وبنفس الكفاءة لدى أصحابها الأصليين ! فضلا عن أن ابداع العلم ونشره باللغة القومية هو الذى يسهم فى بث الثقة فى النفوس، ويحث العقول على الإبداع فى المستقل! إن دولة مثل إسرائيل قد أحيت لغتها العبرية من عدم، وجعلتها ليس فقط لغة للحديث والتعبير بل لغة للتعليم والعلم فى سنوات قلائل لدرجة أن أصبحت من لغات النشر العلمى العالمية!! فما بال لغتكم العربية التى كانت لغة العلم والتعلم فى العالم أجمع لقرون عديدة فى عصر الحضارة الإسلامية الزاهى، قد أصبحت على أيديكم دون كل لغات الدنيا! كيف هانت عليكم لغتكم وأهملتموها هذا الإهمال رغم أنها اللغة السادسة عالميا حتى الآن!!

إن علينا أيها السادة أن نعى أن اللغة أشبه بالكائن الحى الذى كما ولد يموت، وأن ثمة لغات قد وجدت وبادت نتيجة إهمال أصحابها لها، كما أن ثمة لغات قد أعادها أصحابها من عدم وأحيوها بعد موت! ومن ثم فعلينا أن ندرك خطورة إهمال لغتنا العربية تحت دعوى أن الله حافظها وراعيها لأنها لغة القرآن، فالحقيقة أنه ولهذه الدعوى نفسها يصبح واجباً علينا كفرض عين أن نحافظ عليها وأن نحترمها بقدر احترامنا لديننا وهويتنا العربية الإسلامية وأن نجعلها بحق اللغة الأم، لغة الحديث فيما بيننا وفيما بيننا وبين أى من كان فى العالم، أن نجعلها لغة التعليم والتعلم الأساسية فى مدارسنا وجامعاتنا، وان تعلمنا إلى جانبها اللغات الأجنبية، لغة للبحث العلمى والنشر العلمى المحلى والدولى، إننا بذلك نكون عرباً بحق وحينئذ تعود لغتنا العربية لغة عالمية بحق ويعود شبابنا إلى انتمائه العروبى مفاخراً به ومعتزاً بلغته ودينه ووطنه.

[email protected] com