رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

كثير من الجراح يجب نبشها؛ تنظيفها وتطهيرها خطوات أولى للعلاج. الاعتراف بالجرح حتى لو كان خافيًا ضرورة إن صلحت النوايا وصدقت الرغبات للشفاء منه. وليس جرحا مثل الفتنة الطائفية التى تولد بين حين وحين بنفخ من أطراف عدة مستثمرة شيوع الجهل والتعصب فى التنامى والاتساع.

وإذا كانت مهمة الرواية الأولى هى الإمتاع، فإن واقعية الأدب وتوازيه مع مشكلات الإنسان يصبغ على العمل الروائى قيمة إنسانية توزاى قيمته الفنية، لذا آثارتنى رواية «بيت القبطية» مرتين، مرة بمتعتها الفنية، ومرة بنبشها فى قضية الفتنة الطائفية والكراهية المتبادلة بين المسلمين والأقباط فى الصعيد على وجه الخصوص.

والرواية كتبها الأديب القاضى أشرف العشماوى بلغة سلسلة وتشويق أخاذ لنطل بها على إحدى القرى المنسية فى جنوب مصر، والتى تقطنها أغلبية قبطية، ما يجعلها عرضة لتحفز وغل وكيد جماعات إسلامية متعصبة. وبالطبع لا تقتصر سمة التعصب على المسلمين الذين يدعون فى كل صلاة على النصارى، فهناك أقباط لديهم التعصب ذاته. فى الوقت نفسه هناك شخصيات مغموسة بالتسامح فى كلا الفريقين، لكن غياب القانون وهيمنة أعراف المجتمع تحفظ للفتنة حياتها قرونًا وقرونا. وثمة عبارة آخاذة ترد على لسان وكيل نيابة منتدب للعمل فى القرية البعيدة مفادها « أن السياسة لو تدخلت فى القضاء أفسدته، والقانون لو تدخل فى أفعال الساسة لأصلح حالهم».

والواقع أن السياسة تدفع الأجهزة المختلفة فى الصعيد إلى التغاضى عن القانون تحت تصور دفع خطر أكبر، وهو ما يعنى تغييب القانون عمدًا عن قضايا الفتنة الطائفية وتغليب السياسة.

وتلك فكرة سبق وطرحها يوسف معاطى فى فيلمه «حسن ومرقص»، كما قدمها الروائى إبراهيم عيسى فى روايته «مولانا» فالأجهزة الأمنية معنية بكبت المشكلة حتى لو كان ذلك على حساب القانون، وهناك قضايا عديدة غلب فيها الحل العرفى حلول القانون.

الحكاية تبدو موجعة، ففكرة التنمر بين طائفتى الوطن تسطع أكثر فى الصعيد، حيث الفقر يصب فيضه، والجهل ينثر بذوره. أما نحن هُنا فى العاصمة فبعيدون عن حزازات قائمة منذ قرون، لا تسعى حكومة لعلاجها فكرًا وفهمًا وقانونًا، وإنما يتم تخدير الجرح وقتيًا، ليتقيح مرة أخرى مع أى خلاف بسيط.

يريد أشرف العشماوى أن يقول «انتبهوا»، لا يمكن أن تتحقق العدالة فى ظل حجب القانون. الفتنة قائمة لعن الله مَن أنكرها، ولا يمكن مواجهتها دون تسييد للقانون على الجميع بدون انتقائية وبدون اعتبارات سياسية. سيادة القانون هى الحل لا جلسات الصلح العرفية، ولا لقاءات المحبة المصطنعة، ولا الصور الرسمية المعتادة للقس محتضنا شيخ الجامع، فالصعيد يا سادة يختلف.

والشكر للأدب على إضاءة عتمة الناس، إيقاظهم، تنبيههم، وتذكيرهم بأن القانون، والقانون وحده هو الحل. وتحية لقلم المبدع، الذى كان أبلغ وأكثر تأثيرًا من قلم القاضى أشرف العشماوى.

والله أعلم.

مصطفى عبيد

[email protected]