رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لله والوطن

 

 

 

حادث قطار الإسكندرية.. أو كما أسماه «الفيسبوكيون» بحادث «شهيد التذكرة».. أصبح خلال ساعات معدودة حديث كل الناس.. و«التريند» الأول فى مصر على مواقع التواصل الاجتماعى.. الحادث فتح جراحًا عميقة.. وقلَّب مواجع دفينة لدى الغالبية ممن اهتموا به.. رغم أنه قد لا يكون الأول من نوعه.. وربما لن يكون.

•• لكن

لماذا استحوذ الحادث على كل هذا الاهتمام؟.. ولماذا تم تحميله بكل هذا الألم والمرارة والتفسيرات والتحليلات الغاضبة والساخطة؟.. لماذا اعتبره كثيرون من الغاضبين نموذجا لطبيعة علاقة الدولة بالشعب فى الوقت الحالى.. حيث الدولة هى القطار.. الذى لا مكان بداخله إلا لمن يدفع ثمن التذكرة.. حتى لو لم يكن يمتلك المال.. ومن يرفض الدفع عليه أن يقفز إلى الخارج.. بلا رحمه.. فينجو بحياته أو يموت؟!.

ملابسات الحادث مازال ينقصها الكثير من التفاصيل.. وأيضا يشوبها الكثير من التزييف والتشويه والتدليس والتسييس المتعمد.. لدرجة أن هناك من يتعمدون النفخ فى كير الحادث.. ويحرضون على إقالة وزير النقل «الفريق كامل الوزير» صاحب الإنجازات والمعجزات فى مشروعات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ومضرب المثل لكفاءة قيادات الجيش.. لا لشئ إلا للإساءة للمؤسسة العسكرية.. ودمغها بالفشل.. ومن يفعلون ذلك معلومون لنا جميعا.

•• على سبيل المثال

فوجئنا أمس بظهور الشاب المصاب الناجى من الحادث.. واقفًا أمام النيابة على قدميه ليدلى بشهادته.. رغم أن كل الأخبار المنشورة بعد الحادث تؤكد أنه يرقد فى المستشفى فى حالة خطيرة جدا بعد بتر إحدى قدميه أسفل عجلات القطار..!!.

وعلمنا أيضا أن الشابين لم يكونا طفلين مثلما قيل لنا.. وأنهما لم يكونا من ركاب القطار.. بل كانا بائعين جائلين تسللا إلى القطار بالمخالفة للقانون وللتعليمات.. كالمعتاد.. وجاء التوضيح الذى ورد على لسان الوزير بعد الحادث.. ليرد على ما قيل إنهما راكبان لا يستطيعان دفع ثمن التذكرة.. بينما هما لم يكونا يرغبان في دفع ثمن التذكرة.. باعتبار أنهما بائعان «يلقطان رزقهما» وهذا يبرر لهما الركوب مجانا.. هناك فارق كبير طبعا.. لكن هذا ليس تبريرا لما حدث.. وهو المعنى الذى أكده الوزير أيضا.. بدليل أنه أحال كمسارى ورئيس القطار إلى النيابة التى وجهت للأول تهمة القتل العمدى.

الكمسارى ارتكب جريمة.. لا جدال فى ذلك.. لكن لا يمكن أيضا وضع ما حدث إلا فى إطار الخطأ الفردى الذى يتحمله ويحاسب عليه.. ومن غير المعقول بالمرة أنه لديه تعليمات بأن يفعل ما فعل من إجباره للشابين على القفز من القطار.. وكان يجب عليه أن يسلمهما لشرطة القطار ثم لشرطة أول محطة تالية.. أو حتى يستجيب لطلب بعض الركاب بالسماح لهم بدفع قيمة التذكرتين نيابة عن الشابين وتركهما ينزلان بعد ذلك فى أمان فى المحطة التالية.

•• أيضا

يتحمل الشابان جزءًا من مسئولية ما حدث.. هما اللذان تعمدا المخالفة بممارسة نشاط التجارة الممنوع داخل القطار.. وهما اللذان امتنعا عن دفع ثمن التذكرة.. واعتبرا ذلك حقًا لهما.. ولابد أنهما فعلاها مئات المرات من قبل.. وهما أيضا اللذان قفزا بإرادتهما من القطار.. لم يشهد أحد بأن الكمسارى دفعهما إلى القضبان.. ومن غير المتصور أن يحدث ذلك مع هذين الشابين اليافعين والشديدين اللذين رأيناهما فى الصور.. والشهود قالوا إن الكمسارى أجبرهما على القفز من القطار أثناء سيره.. فكيف أجبرهما؟.. سيكشف التحقيق ذلك.. وإن كان المتصور هو أنه هددهما بإبلاغ شرطة القطار للقبض عليهما.. فاختارا القفز.. وربما يكونان قد فعلا ذلك من قبل.. وكلنا نعلم أن باعة القطارات وباعة أتوبيسات الأقاليم يفعلون ذلك دائما.. يقفزون أثناء السير.. لكن الضحية خانته لياقته فى هذه المرة فسقط أسفل العجلات بينما نجا صديقه.

وهذا ما أكده الشاب الناجى فى أقواله أمام النيابة.. حيث قال إن الكمسارى عاملهما بـ «عنف».. وخيرهما بين الدفع أو النزول من القطار أو تسليمهما للشرطة.. فقرر زميله القفز من القطار ليلقى حتفه فى الحال.

•• مرة أخرى

نعود إلى رد الفعل الجماهيرى تجاه الحادث.. لننبه إلى ضرورة التعامل مع هذه المسألة بمنتهى الجدية والاحترام.. لأنه موقف يدلل على ما نبهنا إليه من قبل مرارا وتكرارا.. وهو خطورة الاستهانة بإحساس الناس بالظلم الاجتماعى والضغوط المتزايدة عليهم خلال سنوات الإصلاح الاقتصادى.. وكذلك خطورة الرهان المستمر على قدرة الناس على تحمل المزيد من الضغوط.

ربما يكون هذا الحادث فرصة للمراجعة وتصحيح المسار.. على مستوى الدولة.. وليته أيضا يكون فرصة لنا للمراجعة على المستوى الفردى.. فكلنا هذا الكمسارى الذى لا يرحم.. ذلك الذى قال عنه الشاب الناجي: «منه لله الكمسارى.. مارحمناش».. لسنا ملائكة.. ولكل منا خطيئته.. حتى هؤلاء الذين يلطمون الخدود ويولولون على صفحات السوشيال ميديا.. لكل منهم ضحية ألقى به من القطار ورقص فوق جثته.. فى البيت أو فى الشارع أو فى العمل.. كلنا لا نرحم.. ولن يرحم الله من لا يرحم الناس.