عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

هناك تعبير بليغ لصديقى الجميل المؤرخ عبدالرحمن الجبرتى يكرره كثيرا واصفا أناساً عايشهم وعاصرهم، كانوا بلا رحمة، بلا أخلاق، وبلا ذرة ضمير هو «الأسافل». هؤلاء البشر نسوا الله فنسيهم، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، لا يتورعون عن منكر، ولا يستحيون من فساد، ولا يترددون فى ظلم البشر. سادوا بالبلطجة، وتصدروا المجتمع بالبطش، وبالمال، وعلاقات الفساد.

هُم خلاصة انسحاق القيم، وسقوط الرموز، وفتفتة الأخلاق، وهم الذين تفجعنا شنائعهم كل يوم، فنمصمص الشفاه، ونُعبر عن الضيق، ونرفض وننكر بالقلب واللسان، لكننا لا نتجاوز ذلك.

ومَن يتابع جريمة قتل محمد راجح لـ «محمود البنا» فى المنوفية، وكلاهما فى عمر النشء يندهش من مستوى الانحطاط الذى غرس أقدامه فى نواحى المجتمع، ويتعجب من تزايد نسبة الأسافل وسيادتهم، واكتفاء الجميع بدءا من أجهزة الأمن، ومؤسسات الرقابة المجتمعية، ومراكز البحوث الاجتماعية وغيرها من المؤسسات بالمشاهدة، والمتابعة الرسمية.

لا تحرك ولا أسف يولد إلا بعد سفح الدم وزهق الأرواح، ولا تفكير أو تدبر فيما وراء الجريمة وأسبابها، ولا تفكير فى كيفية توخى تلك الجرائم. لم يسأل أحد نفسه أو غيره: ماذا جرى؟ ولِم؟ وكيف؟ وأين كنا؟ وأين نحن؟ وماذا نفعل؟

البلطجة عنوان الشارع. قوانين الغابة أكثر فاعلية. العنف أساس المعاملات اليومية. الرخاوة رداء يُدثر الحياة فى بلادى، فالفن مبتذل، والإبداع متردٍ، والثقافة خارج حسابات الحاكمين والمحكومين.

ولا أعتقد أن القتلة الحقيقيين هم أولئك الذين يضربون ويقتلون فقط، وإنما القتلة الحقيقيون هم الذين غرسوا القيم، وصنعوا الرمز، وروجوا للفكرة، وبشروا بالانتقام البشع.

إن أردتم مثالا على هؤلاء فإننى أرشح محمد رمضان، الممثل الموهوب فعلاً، الذى قدم نموذج البلطجى المحبوب، وحوله إلى بطل. رمضان ابن البلد بملامحه، وأدائه، لكنه خصم دولة القانون فكراً وترويجاً. نصف أعماله تبشر بالقاتل البشع، الذى يحمل سيفاً، ويضرب ويُحطم وينتقم دون أى التفات لدولة أو مؤسسات أو قانون.

يتمادى الألق الخادع للفنان، فينخلع من أى قيم ولا يرى إلا نفسه، وينسحق بمظلة الغرور فيتحول إلى قاتل حقيقى، للقيم والمبادئ والأخلاق والتواضع والنبل. والمؤسف أن بعض المؤسسات العامة تحتفى به، وتنتج له بحثا عن المشاهدات والأرباح، وبعيدا عن القيم، ودون أى التفات أخلاقى لآثار الفن والدراما على الناس.

رمضان يمثل ويغنى ويحاضر ويطل كطاووس يُشرعن للباطل ويحتفى بالقبح ويروج للتمرد على القانون، فيقول فى إحدى أغانيه «مش باتفتش ف المطار/ فى البنك بيسألوا من أين لك هذا/ مبردش غلاسة بغلاسة/ القمة مكانى مش همشى/ كل هدومى فيرزاتشى»، ويرد على منتقديه قائلاً «هيلا هيلا هوبا/ أنا ملك الغابة شايفك قطة».

هذا الفنان تحديداً هو الأب الروحى للقتلة الصغار، الباحثين عن بطولة وهمية. القاتل راجح وأمثاله آمنوا بـ «الأسطورة»، أعجبوا بسطوته، وافتتنوا بقوته. صدقوا فكرته بأن تكون قوياً، مخيفاً، قاهراً، خير من أن تكون رحيماً حكيماً.

إننى أتهم محمد رمضان بالمشاركة فى جرائم قتل مئات الناس من خلال التحريض غير المباشر، والتبشير بالبلطجة، وأعلم أن القانون، بل كل التشريعات فى العالم لا تغطى هذا النوع من المشاركة، لكن لا شك أن القانون الإلهى يفعل.

والله أعلم.

[email protected]