رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

فى التاريخ الإسلامى ثمة مشهد موجع مؤثر يستدعى ذاته كل فترة ليطل علينا علّنا نتعلم، لكننا لا نفعل.

طال حكم الخليفة الراشد عثمان بن عفان اثنى عشر عاماً، توسعت فيها حدود الدولة الإسلامية أكبر توسع لتمتد شرقاً إلى خراسان، وشمالاً حتى قبرص، وغرباً حتى تونس وغرب الجزائر. طال العمران وأنشئت المدن وأثرى الناس وفاضت الأموال. كبرت حدود الدولة، وكبر مجدها، لكن كبرت الغيرة وزاد الحقد الطبقى وظهرت الفوارق والفجوات بين الناس، فتنادوا بالثورة.

ضد من؟ ضد أحد الصحابة العظام، زوج كريمتى النبى عليه السلام، وممول جيوش المسلمين، وأحد الأوائل الذين بشرهم رسول الله بالجنة. قال الثوار إن الخليفة فسد، ثم ادعوا أنه ظلم، ثم كفر. اجتمع المظاليم الغاضبون المحرِّضون والمحرَّضون معاً من كل فج عميق، وحاصروا دار الخليفة، وناصرهم بعض الكبار مثل محمد بن أبى بكر الصديق، ليعلنوا الثورة مطالبين بخلعه أو قتله، هاتفين «اقتلوا نعثلاً»، وكان نعثل هذا مواطناً يهودياً يعيش فى المدينة وقريب الشبه من سيدنا عثمان.

المهم فى المشهد أن الثوار ظلوا محاصرين لبيت الحاكم أربعين يوماً، غير ملتفتين لأى مكانة للرجل أو معتبرين لدولة أو رمز. ووصل الأمر إلى منع الماء والطعام عن بيته ثلاثة أيام، وأخيراً تسوروا البيت ودخلوا عليه وهو يقرأ القرآن ومعهم ابن أبى بكر الصديق فضربه أحدهم ملقياً المصحف على الأرض، ثم قتلوه بعد أن قطعوا أصابع زوجته نائلة عندما همت بالدفاع عنه. وتذكر بعض المصادر أنهم حاولوا قطع رأسه، لكن زوجته ارتمت على الجثمان مانعة إياهم فتركوها لينهبوا بيت المال.

والمؤسف أن جثمان ذى النورين ظل ملقى فى قعر بيته لا يجرؤ أحد على دفنه ثلاثة أيام، حتى أمر على بن أبى طالب بدفنه خفية فى المساء، لكن الثوار رفضوا حتى بعد قتله أن يدفن فى مقابر المسلمين، فاضطر الناس إلى دفنه بمقابر اليهود.

وعرضت الخلافة على كل شخص بعده فأبى فى ظل الفوضى وسيطرة الدهماء على البلاد، حتى اضطر على بن أبى طالب مجبراً لا مخيراً أن يقبلها، لتبدأ بعدها سنوات من الحرب والكر والفر وإراقة الدماء والترويع أزهقت خلالها أضعاف أرواح الشهداء الذين سقطوا فى حروب المسلمين ضد غيرهم مرات ومرات.

وإذا كان لنا أن نتعلم من التاريخ فيجب أن نجيب عن السؤال المهم: هل كان اغتيال الخليفة الحليم طيب القلب المبشر بالجنة انتصاراً للحق؟ هل أزالت ثورة الناس على الرجل مدائن الظلم فى الأمصار، وأقامت مدن الفضائل؟ هل بقى شىء سوى الفوضى والخراب؟

بعد تلك الثورة اشتعلت فى العالم ثورات شرقاً وغرباً، لكنها لم تخلف سوى الدماء، ولم ينتج عنها سوى الفقر والخراب، بالطبع لم يتحول العالم إلى جنة مشمش، ولم تهبط أمطار السعادة على البشر، ولم تمحَ الشرور المنغرسة فى القلوب، ولم ينشر الثوار عبير العدل فى الأنحاء.

ما يمكن للشعوب العربية أن تتعلمه من درس ذى النورين هو أن الثوار ليسوا بالضرورة أطيب وأنقى من الذين يثورون عليه. لذا أقول لهم: لو كان لديكم حاكم فاسد أو ظالم، أو سيئ الأداء: لا تثوروا أبدا. اصبروا، وانصحوا له بلين، واقترحوا بود واحترام.

فلا ثورة إلا على احتلال أجنبى، والله أعلم.

«mailto:[email protected] com»