عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

ليس للإنسان إلا ما سعى. مُجتهدون ونوابغ ينسحقون يأسا عندما تضربهم موجات إحباط، فتخمد عزائمهم وترتد طموحاتهم على جبل الواقع الأليم. كم من مبدعين نُسوا وتلاشت إبداعاتهم لأنهم لم يواصلوا ولم يعافروا وانحنوا مع العواصف فكسرت ظهورهم.

عبد الحليم حافظ غيرهم. نموذج رائع. مثابر من نوع فريد، طامح يقاوم بحور الإحباط. لم أحبه ولم أتيم به لأسباب سياسية تخص في الأساس تغنيه بمجد عبد الناصر، لكنني أعترف بقدرته على الاجتهاد والثقة في فنه وذكائه والإصرار على الصعود نحو القمة بعزم وإرادة لا تلين.

أخيرا، فعل صديقنا الباحث المجتهد عمرو فتحي وهو يتتبع على مدى عدة سنوات أغاني العندليب أغنية خلف أخرى. يجمعها بوعي، ويرتبها بعناية، ليخرج لنا موسوعة تفصيلية مكتملة عن بدائع عبد الحليم.

وثقت الموسوعة مشوار العندليب بأسلوب علمي رائع افتقدته موسوعات وكتب عديدة تناولت سيرته، إذ حدد المؤلف في كل أغنية من أغانيه التى تربو على 300 أغنية تاريخها ومؤلفيها وملحنيها وموزعيها وأنغامها الموسيقية.

وخيرا فعلت دار «الكرمة» للنشر، وعلى رأسها مثقف فذ، غير تقليدي هو سيف سلماوي لتحتفل بعيد ميلاد العندليب التسعين بإصدارها الموسوعة في طبعة فاخرة أنيقة، مزودة بالصور النادرة، لتوازي الكتب الأجنبية المعنية بالشخصيات العظيمة

ولد عبد الحليم سنة 1929، و رحل حليم مبكرا في عامه السابع والأربعين، لكنه استجمع محبة الناس وإعجابهم جيلا بعد آخر، وظلت أغانيه خالدة بصوت شجي، وأداء مخلص، وبقيت ذكراه طيبة، حتى أن المحبين في زمن الألفية الثالثة مازالوا يرددون أغانيه.

و كان أجمل ما في الموسوعة أنها أكدت المعنى السابق تأكيدا تاما، إذ خرج الفنان من بيئة بسيطة، فقيرا، لا يمت بصلة لعائلة كبيرة، ولا تربطه علاقة بمسئول وكان يرى كل أغنية بداية للانطلاق والصعود حتى إذا لم تحقق ما يرجوه يعاود الكرة بعد الكرة ولا يهمد ولا يتوقف ويقدم أغنية أخرى يضع فيها كامل إبداعه.

وكشفت الموسوعة أن حليم غنى مبكرا في مارس 1951 أول أغانيه بعنوان «ذكريات» من ألحان عبد الحليم علي لم يلتفت إليها أحد، فواصل مقدما في العام نفسه أغاني: محلاها الدنيا، الكون جميل،الأصيل الذهبي، أهلا باللي واحشني، حتى بلغت أغاني العام كله 25 أغنية، وكلها لم تلفت نظر شخص أو تجلب شهرة. وهنا فقد أصر المطرب المؤمن بموهبته على المواصلة فقدم في العام التالي : ساعة لقلبك، بتقولي بكره،النيل، يا نازلين بحر الهوى، وقدم خلال العام كله 26 أغنية أخرى لم تشتهر منها واحدة.

ثم غنى ولم يشكُ سوء الحظ، أو يلعن الأقدار واستمر يعافر ويثابر  حتى عرفه الناس وأحبوه سنة 1953 بعد نجاح أغنيته «صافيني مرة » وتبنته الدولة ليصبح فنانها الأول.

وكان من المدهش أن أعرف أن حليم التقى الشاعر صلاح عبد الصبور وكلاهما مغمور، وغنى من كلماته أغنية «لقاء» سنة 1951وهي قصيدة لم يضمها ديوان للشاعر الراحل.

 وكانت خصومتي النفسية مع الفنان منحصرة في مواقفه السياسية، تأييده المنقطع، وحماسه الدائم لشخص الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، لكن ذلك لا يُناقض أبدا أنه شخص موهوب، ومجتهد، ومثابر، وأن إبداعه باقٍ إلى يوم البعث.

وأعترف بأنه نموذج لمبدع قوي انتصر على الظروف وخلد رغم أنف الجميع، ومازال حيًّا بعد تسعين عامًا من ميلاده و42 عامًا من رحيله.

والله أعلم

 

[email protected]