رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

فى فيلم «زقاق المدق» وقعت عين الولد الشقى السعدنى الكبير، على شخص واحد فقد لا غير لفت انتباهه، وترك بصمة داخله، فتعقبه السعدنى فى كل أعماله، وقرر أن يستولى على عطائه الفنى. إنه الفنان الجميل محمد رضا. فقد اكتشف السعدنى أن داخل محمد رضا معلم وابن بلد حقيقى، وأن هيئته والشاسيه الضخم الذى يملكه وابتسامته البريئة، وملامح الوجه السمح الطيب الودود، تؤهله لكى يصبح ملكا متوجا على عرش هذا الدور الذى يضمن لصاحبه أن يدخل القلوب دون إحم ولا دستور، وكان السعدنى يرى فى رضا أنه المعلم الذى تصور أنه يعلم كل هبة ودبة فى الحياة، وأنه يملك الحقيقة وحده دون سواه، وأن الكفت لا يعلم سره إلا هو، وهو فى حقيقة الحال أجهل من دابة وأكثر سذاجة من الرجل الذى اشترى الترام. هكذا رسم السعدنى للمعلم رضا شخصية بعيدة تمام البعد عن حقيقته.. فهو كما المعلم رضا.. كان حاد الذكاء سريع البديهة، قارئا ممتازا، وكان المعلم رضا يشكو بكل الحب أن السعدنى استطاع أن يرسخ فى عقول الناس أن محمد رضا بالفعل نسخة طبق الأصل من الشخصية التى رسمها له.. وكنت فى سن صغيرة للغاية، ولكننى مدرك تماما أن السعدنى قدم المعلم رضا فى شخصية كاريكاتورية جمع لها كل من وقع فى طريقه من الشخصيات التى أثرت فى السعدنى، وأثرت حصيلته البشرية التى لم تتوفر لغيره على الاطلاق.. والشيء الغريب أن السعدنى دخل السجن متهمًا بقلب نظام حكم الرئيس أنور السادات، وهو الرئيس الوحيد الذى صاحبه السعدنى وصادقه وأحبه منذ الأربعينيات، ولكنها السياسة لعنة الله عليها مفرقة الأحباب.. والجماعات.. ومشتتة شمل الأصدقاء وكان السعدنى قد كتب للمعلم رضا مسلسلات إذاعية لا حصر لها.. «بنت مدارس».. «الجدعان» «الولد الشقى» وفى المسرح لعب المعلم رضا بطولة كل ما كتب السعدنى «البلوبيف».. «النصابين» «بين النهدين».. وفى التليفزيون قدما معا مسلسلا عن شخصية ضابط إفريقى عاش بين أهل الجيزة أثناء الحرب العالمية الثانية، وهو مسلسل «الأفريكى» وبعد هذا الإنتاج الذى انتشر واشتهر بين الناس، بات على المعلم رضا أن يستكمل المسيرة ويمضى قدما فى أداء دور المعلم الجاهل الأمى، والذى يتصور نفسه أبوالعريف، وأقول إن الحكم على السعدنى بالسجن لمدة عامين، كانت فرصة ذهبية للمعلم رضا لكى يغير جلده، ولكى يأخذ إجازة من هذه الشخصية التى لم يستطع الفكاك منها على الإطلاق.. ولكنه وجد أمامه ذات يوم الخال الجميل عبدالرحمن شوقى يعرض عليه مسلسل «عماشة عكاشة».. وعندما قرأ الملخص.. ضحك المعلم رضا من أعماقه أو من «أمعائه»، كما كان يقول السعدنى الكبير، وهو يقول للخال عبدالرحمن شوقى: الله هو أنا وقعت فى الأسر ولا إيه يا شوقى يعنى ما صدقت خلصت م السعدنى.. تجى لى أنت بنفس الدور ونفس الشخصية، والله العظيم الناس صدقت أنى أهبل وأمى فعلا.. يا جماعة ارحمونى.. ثم استكمل المعلم رضا قراءة الملخص.. فضحك ضحكته الصافية وهو يقول: حلو أوى أوى.. ياللا على بركة الله.. وبالفعل بدأ التصوير، ولم يكن المسلسل قد تمت كتابة أى حلقة من حلقاته بعد.. ولكن تمت الموافقة عليه فوراً.. وبدأ التصوير بمجرد الانتهاء من كتابة أولى 4 حلقات وهكذا كان الخال يكتب أحيانا قبل التصوير بيوم واحد أو يومين.. واستعان الخال بنفس الشخصيات التى كان السعدنى يكتب لها، وهى شخصيات يشعر أنها موجودة فى الحارة المصرية وفى الأزقّة وفى المقاهى وفى الأسواق.

إبراهيم سعفان وسيد زيان وسيف الله مختار ونبيلة السيد وعبدالسلام محمد وأنور محمد وحسن مصطفى.. وكان السعدنى قد سبق وكتب مسلسل «الأفريكى» وكان هناك دور لعادل إمام.. رفض أن يلعبه، فقام السعدنى بإسناد الدور إلى شاب جديد اسمه سيد زيان.. وفور ظهوره اتصل المخرج الكبير عاطف سالم بالسعدنى وسأله: أنت لقيت العبقرى ده فين؟.. وبدأت رحلة سيد زيان نحو القمة وفى مسلسل «عماشة عكاشة» لعب دور «قفة» الحمار وتسلطن فى الأداء، فهو لا ينتمى إلى أى مدرسة ولا يقلد أحداً ممن سبقوه، كان خفيف الظل والروح يمتلك طاقة لا حدود لها يعشق التمثيل والغناء، وكان هذا الدور هو «الصاروخ» الذى  حلق به بعيداً عن مدارات النجومية.. نجومية الأداء.. وحدث أثناء العمل أن فاجأ الرئيس السادات العالم أجمع بلحظة العبور التى هى أجمل لحظة فى حياتنا كلها.. يوم عبرت القوات المسلحة المصرية، أخطر مانع للمياه عرفته الحروب فى كل تاريخها وشعر كل المصريين والعرب بالفخر، وارتفعت رؤوس أهل مصر على وجه الخصوص بعد الهزيمة المنكرة التى تعرضنا لها فى عام 1967.. وبالطبع لم يستطع الخال عبدالرحمن شوقى أن يفوت هذه اللحظة التاريخية.. فكتب حلقة كاملة عن هذا الإنجاز المعجز للجيش المصرى، ولكن ظل هناك مشهد لا يمحى من  الذاكرة.. عندما اجتمع كل عباقرة الكوميديا إبراهيم سعفان وسيف الله مختار وعبدالسلام محمد ومحمد رضا.. وفى الوسط ابراهيم سعفان بقامته القصيرة وصوته المبحوح وهو يعوج رقبته فى مشهد كان شديد الجدية ويرفع العلم المصرى الجميل الذى يتوسطه صقر قريش.. علم العبور الأعظم.. وهو يغرسه على الأرض، ويغنى محمد أفندى رفعنا العلم.. وبالطبع كان المشهد مضحكاً الى أقصى درجة.. ذلك لأن ابراهيم سعفان لا يمكن أن يكون جادا على الاطلاق فى أى مشهد مهما كان جادا أو مأساويا.. فإن نظرات سعفان التى يخرج منها شيطان الضحك، لا يمكن إلا أن تشع على المشهد روحا كوميدية لا مثيل لها واكتشفنا أن محمد أفندى.. كان بالفعل شخصية واقعية.. وأنه أول مصرى طيب بسيط من أصول قروية ومن نبت يعود تاريخ نموه الى أكثر من سبعة آلاف عام من عمر التحضر.. إنه المقاتل المصرى محمد العباسى ابن الشرقية الذى دخل وانتظم فى صفوف جيش مصر قبل أيام قليلة من نكسة 1967 وظل يدفع ضريبة الدم والعرق حتى كتب له المولى عز وجل أن يدخل تاريخ مصر تماما مثل أقرانه العظام من أول أحمس حتى آخر سلسلة العظماء من عبدالمنعم رياض الى الشاذلى الى احمد بدوى الى أحمد اسماعيل، الى محمد فوزى الى محمد صادق الى محمد عبدالغنى الجمسى الى محمد على فهمى، إلى حسنى مبارك إلى أبوغزالة، وقد شاهد الرئيس السادات هذا المسلسل وتابعه بشغف شديد.. فقد كان صاحب حس كوميدى حقيقى.. وعندما قابل الأستاذ أحمد بهاء الدين.. ذات يوم بعد الافطار أشعل البايب وسحب أنفاساً تلاحقه، ثم أطلق ضحكته المجلجلة وهو يسأل بهاء: شوفت محمد أفندى رفعنا العلم يا بهاء، فانتقل فيروس الضحك الى الأستاذ بهاء وقال.. قصدك يا أفندم مسلسل «عماشة عكاشة»، فعاد السادات ليضحك بجرعة أعلى وهو يهز رأسه بالإيجاب.. وسأل بهاء مجدداً مين اللى كاتب الكلام ده يا بهاء؟ فقال: الأستاذ المؤلف عبدالرحمن شوقى.. فيقول الأستاذ له.. نسيب محمود السعدنى يا أفندم ويضحك السادات مجدداً.. وهو يقول: دى عيلة هزؤ كلها.. رحم الله كل شهداء مصر وكل من شارك وخطط للانتصار الكبير.. وأتمنى من الله أن تقوم مصر الرسمية بتكريم هذا المواطن المقاتل المصرى الخالد محمد العباسى بإقامة تمثال يليق بإنجازه الأعظم فى محافظة الشرقية.. فهو بالتأكيد يستحق ذلك.. وأكثر.