رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صفحات من الزمن الجميل (٨)

- وفى عام النكسة، أجرى الرئيس جمال عبدالناصر تغييراً فى الحكومة بتعيين زكريا محيى الدين رئيساً لها وتكليف عباس رضوان بوزارة الداخلية خلفاً لزكريا محيى الدين، كان من الطبيعى أن أذهب لتهنئة زكريا محيى الدين وفى هذا اللقاء رفض أن يدلى بحوار صحفى على اعتبار أنه يحتاج وقتاً لدراسة أوضاع السوق وتخفيف موجة الغلاء التى يشكو منها المواطن المصرى، قلت له إن هناك إشاعة بزيادة سعر الأرز، أكد أنها ليست إشاعة لأننا فعلاً نجرى دراسة على زيادة سعره زيادة طفيفة جداً.

- قلت لرئيس الحكومة الشىء الذى يأكل الأخضر واليابس هو زيادة النسل.. فقال لى: «لو الأمر فى يدى لأصدرت قانوناً بتحديد النسل بحيث لا تتحمل الدولة مصاريف الطفل الثالث».. وقال لى.. هذا الكلام دردشة وليس حواراً.

- قلت معلوم يا أفندم لكن أملى أن يكون أول حوار لكم معى.. ثم انصرفت إلى مكتبى فى مجلة آخر ساعة حيث كنت أجمع ما بين العمل فيها وفى «الأخبار» وفوجئت بالأستاذ صلاح حافظ -رحمه الله- كان ساعتها منقولاً من «روز اليوسف» ليتولى مسئولية إصدار «آخر ساعة» فقد استدعانى وسألنى عن مقابلتى مع زكريا محيى الدين وكان من الطبيعى أن أحكى له تفاصيل الدردشة، على ما أتذكر كان الحوار يوم الاثنين وهو آخر موعد لتقفيل موضوعات المجلة، وإذا به يغلق الباب ويمنع دخول أحد عليه بعد انصرافى، وتصورت أنه سيتفرغ لكتابة مقاله، واذا به يقوم بتغيير غلاف «آخر ساعة» وينشر صورة زكريا محيى الدين على الغلاف، ويضع عناوين ضخمة على صدر الغلاف تقول «رئيس الحكومة.. إشاعة زيادة سعر الأرز ليست أكذوبة ولكنها حقيقة.. زكريا محيى الدين.. لو الأمر بيدى لأصدرت قانوناً منعت الطفل الثالث».

- وصلت بروفة من المجلة فجر الثلاثاء لمباحث الصحافة فاتصلوا برئيس الحكومة وأطلعوه على عناوين المجلة فأصدر أمراً بمصادرة «آخر ساعة» وسحب جميع النسخ التى تم طبعها.. وفى صباح يوم الثلاثاء كنت متوجهاً إلى مكتبى فى «أخبار اليوم» عرفت أن المباحث تحاصر مطابع أخبار اليوم وممنوع اقتراب أى أحد منها، فهمت أن الذى أصدر الأمر هو زكريا محيى الدين، وللحق كنت مذهولاً من نشر هذه العناوين على صدر الغلاف، كان صلاح حافظ فى مكتبه من الساعة السابعة صباحاً يقوم بتغيير غلاف آخر ساعة وصفحات الملزمة الأخيرة، رفضت أن أدخل إليه مع أن المقدم على إسماعيل الإمبابى والذى كان مديراً لمكتب الوزير كمال رفعت المشرف فى ذاك الوقت على أخبار اليوم قد أرسل لى أن أدخل وأعاتب صلاح حافظ حتى أحفظ حقى عند استجواب رئيس الحكومة.. وكأنه كان يعلم أننى سأتعرض للاستجواب.

- بالفعل عاتبنى رئيس الحكومة وهو غاضب وعرف أن الذى كتب هذه ألمانشيتات وغلاف آخر ساعة صناعة شيوعية هكذا قال لى.. أعرف جيداً من هو صلاح حافظ.. ثم قال لى: «عايزك تتعلم وتعرف أن الدردشة هى سر لا يجوز أن يتحول إلى حوار.. فكونى أخصك بمعلومة فليست كل معلومة للنشر».. اعتذرت وقلت له هذا درس لن أنساه فى حياتى.. فقد كان من المفروض أن أفرق بين الدردشة والحوار.. وذكرنى بدردشة مدير الأحوال المدنية التى أحدثت أزمة وغفر لى هذا الخطأ.

- أذكر أننى نشرت فى عهده وهو وزير للداخلية خبراً فى الصفحة الأولى فى جريدة «الأخبار» مفاده أن مصلحة الأحوال المدنية ستحرق البطاقات الشخصية التى لم يتسلمها أصحابها من أقسام الشرطة.. وتبدأ الحكاية بزيارتى للواء عبدالمنعم إسماعيل مدير المصلحة فى مكتبه بشارع يوسف الجندى فى باب اللوق، قبل أن يصدر قانوناً خاصاً للبطاقات العائلية.. روى لى اللواء إسماعيل تكدس أقسام الشرطة بالألوف من البطاقات الشخصية التى لم يتسلمها أصحابها، وكان الكلام مجرد دردشة.. حولتها إلى خبر وأضفت أن هناك اتجاهاً من الداخلية إلى حرق البطاقات داخل أقسام الشرطة، وهاجت الدنيا وأذيع الخبر فى الإذاعة طوال اليوم.. وامتلأت الأقسام بطوابير المواطنين، ورغم أن الخبر خدم وزارة الداخلية وتحقق لها ما كانت تريده إلا أن اللواء عبدالمنعم إسماعيل ظل ينفى أنه قابلنى.

- الشهادة لله لقد كنت مشاغباً فى عصر زكريا محيى الدين، وكان الرجل حنوناً لم يمل من تصحيح أخطائى، ورغم أن يده كانت تمثل القبضة الحديدية فى فترة عصيبة، إلاّ أنه كان يدعم رجال الشرطة بصلاحيات كثيرة.. وكان يرى أن هيبة أصغر ضابط شرطة من هيبته، ولكى أكون منصفاً فقد كان جهاز الشرطة فى عهده فى عصره الذهبى.

[email protected]