رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

صفحات من الزمن الجميل

ــ  في عام ١٩٥٨ صدر قانون جديد للعمد والمشايخ وكان عبد المجيد باشا محيي الدين والد السيد زكريا محيي الدين وزير الداخلية في تلك الفترة عمدة كفر شكر.. وكانت كلمته في بلدته مسموعة.. طلبت من وزير الداخلية زيارة والده في كفر شكر لمعرفة رأيه في قانون العمد الجديد، وافق الوزير واشترط عدم النشر قبل الرجوع إليه شخصيًا.

ــ حددت ميعادًا لسفري إلى كفر شكر ورتبت معي المصور جمال يوسف وتحركت بنا سيارة «أخبار اليوم» بقيادة السائق عبد ربه، وعند وصولنا العزبة، اصطحبني أحد الخفر إلى بيت عبد المجيد باشا محيي الدين، استقبلنا الباشا وكان واضحاً أنه على علم بزيارتي، ثم قال لي قبل الحديث أنتم تعبانين من الطريق نأكل لقمة أولاً، ثم طلب إعداد الطعام وعندما أخبروه أنه جاهز، تركني لحظات وخرج ليطمئن بنفسه على سفرة السائق وماذا قدموا له من طعام، وجاء وهو يقول الحمد لله كل شيء تمام، يقصد أنه اطمأن على السائق قبل أن نتناول الطعام، وبعدها شربنا الشاي وتناولنا الحوار حول القانون الجديد للعمد والمشايخ، واستعد جمال للتصوير فسألني الباشا أنتم ناويين تنزلوا صوري في هذا الموضوع.

ــ قلت له سوف نعرض كل حاجة قبل النشر على معالي الوزير..وهذا شجعني أن أطلب من عبد المجيد باشا أن يركب الحمار على اعتبار أن الباشا شخص عادي جدًا ومش «متنشي» مع أنه والد وزير الداخلية وبيحب أن يعايش الفلاحين كواحد منهم، وافق وهات يا تصوير، ثم اتجهنا إلى القاهرة، وبمجرد دخولنا «الأخبار» كانت في انتظارنا قوة من أمن الدولة «اللواء ابراهيم حليم رئيس مباحث الصحافة، والعميد فتحي بركات، والعميد عبد الرؤوف صالح والمقدم سيد ذكي» واصطحبونا إلى معمل أخبار اليوم بعد أن صادروا الكاميرا وحقيبة المصور وفتشوا جيوبه، وجمعوا كل الأفلام التي صورناها في العزبة، وهمس في أذني اللواء ابراهيم حليم وهو يقول مين قالك تصور الباشا فوق حمار..معالي الوزير ثائر جداً..وحذرني من نشر أي كلمة عن عبد المجيد باشا..وانصرفت القوة إلى معالي الوزير.

ــ  استدعاني الأستاذ مصطفي أمين وكان أول لقاء لي معه، وسألني هل يعلم السيد زكريا محيي الدين أنك ستسافر إلى والده في كفر شكر وستجري معه لقاء..قلت لا يمكن كنت أسافر من غير علمه.. فقال لي ..ولماذا سحب رجال المباحث الأفلام .. قلت لأني صورت والده راكب الحمار..قال..هذه هي الكارثة أعطيت نفسك حقا ليس حقك، وكون أن الوزير محتضنك مش معناه إنك تصور والده هذه الصور ومن غير إذنه.. ونصحني قائلاً..أنت مازلت في بداية مشوارك، لا تسابق الزمن على حساب من فتح لك قلبه، فقد كان عليك أن تسأله قبل التصوير، الآن تذهب اليه وتعتذر له.

ــ وفعلا.. ذهبت إلى السيد زكريا محيي الدين وفي أول اللقاء قال لي..أنت اتجننت إيه اللي عملته ده..قلت له: يا أفندم أنا وعدت سيادتك بعدم النشر قبل العرض، والمباحث لم تعطني فرصة، رد قائلاً: تفتكر كان مطلوب ننتظر بعد طبع هذه الصور وتداولها بينكم قبل النشر.. قدمت اعتذاري، ومع أنه كان مش مبسوط، طلب مني أن انتظره عند لبيب بدوي (مدير العلاقات العامة).. وبقيت ما يقرب من ساعتين اكتشفت أنه غادر المكتب دون أن يطلبني.

ــ في اليوم التالي تحدث مفاجأة إذ يتصل بي اللواء لبيب بدوي ويطلب مني أن أقوم بجولة على عدد من العمد لمعرفة رأيهم في القانون الجديد، وهو من جانبه سيعطيني صورة لوالد الوزير بحيث ينشر رأيه في موضوع عام مع عدد من العمد الآخرين، فهمت ساعتها ماذا يريد الوزير، فقد كان لا يحب أن يكون حوارا خاصًا مع والده طالما أن الموضوع عام، وبالفعل جاءتني صورة من الصور التي التقطها جمال يوسف.. وأرسلت كلام عبد المجيد باشا للوزارة اعتمدوه ونشر الموضوع.

ــ وفي حفل تخريج دفعة من كلية الشرطة قابلني الوزير قائلا: الباشا.. يقصد والده، هو الذي صفح عنك.. قلت في داخلي كم كان الرجل عظيماً، لا أنسى يوم أن أشرف بنفسه على مائدة السائق قبل أن نتناول الغداء، هذا الموقف الإنساني ظل حديث السائق عبد ربه وهو يحكي كيف كان والد وزير الداخلية يقدم له الطعام بيده، هؤلاء هم باشوات زمان في الزمن الجميل.

[email protected]