رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

 

إن الإنترنت والتكنولوجيات الرقمية قد رفعت من قدرات البشر على التفاعل والتعاون والمشاركة على قدم المساواة ومن ثم فقد وسعت بشكل ملموس إطارنا الزمكانى على حد تعبير ريمى ريفيل وغيرت بلا شك تصورنا عن العالم، وبعيدًا عن كل القيود فإن هذا العالم - عالم الإنترنت والتكنولوجيات الرقمية يشكل وسيلة للتحرر من كل القيود. ومع ذلك فينبغى أن ندرك على الجانب الآخر أنها كما شكلت وسيلة للتحرر فإنها قد تشكل بالقدر نفسه وسيلة للهيمنة، حيث يمكن للقائمين على الشبكة أن يستخدموا هذا الكم الهائل من المعلومات عن الأفراد والشركات والعلاقات السياسية والتجارية بين الأفراد والدول فى ممارسات وأنشطة تجسسية مدمرة فضلًا عن استغلال نفس المعلومات فى توجيه الأفراد والجماعات واستهدافهم وتهديدهم فى حياتهم الخاصة والعامة!

ولعل من أهم الانتقادات التى توجه إلى الهيمنة الرقمية على الناس الآن تكمن فى ذلك التأثير السيئ لما اتجه اليه معظم المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعى من شفافية متزايدة وكشف المستور والاستعراض حيث بدت الشبكات التواصلية مثل الفيس بوك وإنستجرام وتويتر وغيرها تظهر كواجهات لنرجسية الأفراد ومرايا تعكس خصوصيات هؤلاء الناس بما قد يضر بهم وبسمعتهم الشخصية والعائلية.

إن الإنسان المعاصر الساعى دومًا إلى الاستمتاع باللحظة والباحث عن الرفاهية الفورية وتحقيق ذاته يسعده أن يشاركه الآخرون نفس الشىء فيرسل لهم صوره الجميلة وتسجيلاته للحظاته الحميمية فيلتقطها بعض المتصفحين ويحدث الكثير مما لا يقع فى حسبانه! وفى الواقع أن هذه المؤانسة والتسالى بين أصدقاء الإنترنت قد تسبب الكثير من المشكلات لأطرافها. والحقيقة أن ثمة تساؤلًا مُلحًا هنا: ما جدوى هذه الصداقات الافتراضية ومن يضمن كونها كذلك وألا تنقلب فى لحظة يتغير فيها المزاج لهذا الصديق الافتراضى من نعمة المؤانسة الافتراضية غير الواقعية إلى لعنة ومشكلات لا تنتهى! إنها فى الواقع صداقات مفرغة من محتواها الاعتيادى وتفتقد إلى اللقاء المباشر بين شخصين وبين جسدين! إن هذه الصداقات ليست وليدة احتكاك حياتى مباشر فهى تقوم بين أشخاص افتراضيين قد يكون أحدهما مخادعًا يخفى شخصيته الحقيقية ونوعه الجنسى ويظهر لصديقه غير ما يبطن ويقول ظاهريًا ما ليس مقتنعًا به حقيقة! أما ما يقوله البعض عن أن اللقاء عبر الإنترنت يتم بالفعل بين وجودين وجسدين فى تجربة تكنولوجية حيث إن كليهما يتحدث إلى الآخر فى نفس اللحظة وعبر نفس الآله (الحاسوب) فأنا موجود وأنت موجود باعتبارنا نتفاعل عبر هذه التجربة التكنولوجية المباشرة، فالسؤال هو: كم توزن قيمة هذه الصداقة بالقياس إلى الصداقة الحقيقية التى تتم عبر اللقاء الجسدى الفعلى المباشر؟! إن اللقاء عبر الشبكة الإلكترونية رغم أنه قد لا يستبعد الجسد إلا أنه لا ينبغى أن ننسى أن الجسد هنا قد انتقل ليصبح هجينًا وماديًا وافتراضيًا فى الوقت نفسه.

ويكفى هنا القول إنه لقاء عبر اللمس للزر الإلكترونى وليس عبر اللمس الجسدى المباشر.. إنها ليست علاقة نوعية بل علاقة كمية حسب منطق التركيب لشبكة الويب، وفرق كبير بين هذا اللقاء الافتراضى الكمى وبين اللقاء الاعتيادى الجسدى المباشر، فالأول لقاء على الشاشة الشفافة وربما تكون معظم التبادلات فيه زائفة والثانى لقاء واقعى إنسانى حقيقى مادى ملموس وأعتقد أن هذا جوهر الصداقة الإنسانية الحقة! وكم من الحماقات قد ترتكب باسمك أيتها الصداقة الإنترنتية!

إن فلسفة الإنترنت لا تتوقف إذن عند حدود المنافع والغايات الخيرة، بل تكمن فيها وربما بنفس القدر الغايات والأهداف الشريرة. ومن ثم وجب على الجميع تقدير المنافع وتعظيمها ووضع الاستراتيجيات الفردية والجماعية للحد والتقليل من الآثار التى قد تترتب على الاستخدامات الشريرة والمعادية!

إن الإنترنت كأى منتج أو اختراع بشرى له وجهين، وجه إيجابى ووجه سلبى، أما الوجه الإيجابى فهو عادة الوجه الظاهر والوجه الذى ابتدع هذا المخترع أو ذاك من أجله، أما الوجه السلبى فهو الوجه الخفى المضمر الذى عادة ما يظهر بعد الاستخدامات الخيرة والمفيدة حيث يتبارى البشر فى الكشف عن الوجه القبيح الذى يمكن توظيفه فيه ومن ثم استخدامه بنظرة عدائية ضد بعضهم البعض! هذا ما لمسناه فى كل صور المخترعات التكنولوجية المتقدمة، فقد اخترع البارود لكى نتمكن من نسف الجبال وتسهيل شق الطرق وتمهيدها ثم تحول بعد ذلك إلى أداة شريرة وتحول إلى سلاح للفتك بالإنسان ذاته، وقد اخترعت الطائرات للتقريب بين المسافات ولسهولة السفر بين البلدان والقارات ثم أصبحت من أدوات الحرب والتدمير والقتل! وهكذا الحال فى الإنترنت الذى كان مقدرًا له خدمة البشر وتفعيل المشاركة الإنسانية والمساواة بينهم وتيسير البحث العلمى بتخزين نواتجه والمساهمة فى سرعة الوصول للمعلومات والاستفادة من كل ما هو متاح على الشبكة العنكبوتية، وفجأة أصبح أيضًا من أدوات الجاسوسية والتلصص على الآخرين دولًا وجماعات وأفراد ومن ثم التربص لهم والإضرار بهم. وعلى ذلك وجب التنبه إلى كل ذلك ونحن نتعامل مع الإنترنت لنعظم الاستفادة من إيجابياته ونتجنب ونبتعد عن سلبياته وشروره.