رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

 

 

فى اعتقادى أن أهم قيمة من قيم بناء المجتمع المدنى البشرى، ومن ثم بناء الدول وتقدمها هى سيادة القانون واحترامه وتطبيقه على جميع أفراد المجتمع سواء كانوا حكاماً أو محكومين. وبالطبع يكون التزام الحكام بالقانون والحرص على احترامه فى كل صغيرة وكبيرة هو نقطة البداية لإلزام المحكومين به، ولقد علمت مصر القديمة - باعتبارها صاحبة أقدم مجتمع سياسى منظم - العالم كله أن تحقيق العدالة بين الجميع أساسه احترامهم للقانون، وقد كان ملوك مصر القديمة هم القدوة والمثل فى ذلك، ويا للدهشة والعجب حينما نقرأ ما قاله المؤرخ اليونانى القديم من أن اثنين من ملوك مصر بين الواحد منهم والآخر ألف سنة قد واجها المؤامرة التى استهدفت قتلهما والاستيلاء على الحكم بتحويل المتهمين - وهم فى الحالتين من زوجات الملك وبمعاونة بعض أعضاء الأسرة الملكية - إلى كبير القضاة مع التأكيد الملكى على محاكمتهم محاكمة عادلة دون تدخل منه ولنا أن نتخيل رباطة جأش الملك وهو يستيقظ من نومه وفى مواجهته من يريد قتله دون أن يصيح طالباً قطع رقبته!.. لقد بنيت الدولة المصرية القديمة على «الماعت» أى «العدالة والنظام» وكان حكامها يفخرون بالتزامهم بتحقيق العدالة واحترام القانون والتقاليد المصرية وكان ذلك هو الأساس المتين لبناء دولتهم وحضارتهم المعجزة وسر استقرارها آلاف السنين.

وقد انتقل هذا التقليد المصرى إلى بلاد اليونان وتأسست عليه حضارتها وتقدمها السياسى، وقد عبر فلاسفة اليونان فى معظم ما كتبوا عن أهمية القانون وضرورة احترامه موضحين أن ذلك هو الفرق الجوهرى بين الدول والمجتمعات المثالية الفاضلة وبين الدول والمجتمعات الفوضوية المتخلفة، ولعل أبلغ تعبير عن ذلك قد جاء على لسان سقراط الذى حكم عليه بالإعدام ظلما ومع ذلك تقبل الحكم وسجن فى انتظار تنفيذ الحكم وحينما عرض عليه تلاميذه أكثر من خطة للهرب، وألحوا عليه فى ذلك صاح فيهم قائلاً: أتتخيلون مدينة «أى دولة» لا يحترم أهلها القانون، ألا تندك هذه المدينة من أساسها!.. ولم يكن تلميذه أفلاطون بأقل منه حرصاً على القانون حيث بنى معالم مدينته المثالية فى محاورة «القوانين» - وهى المدينة التالية فى الأفضلية لمدينة «الحاكم الفيلسوف» التى تحدث عنها فى محاورة «الجمهورية» - على القانون وشرع هو بنفسه تلك القوانين التى تضمن مثالية الدولة وتحافظ على كيانها الاجتماعى والسياسى. وهكذا تدعمت مكانة القانون وضرورة احترامه فى الفكر السياسى بعد ذلك وخاصة فى ظل الامبراطورية الرومانية وبرع فلاسفة تلك الفترة من أمثال سينكا وشيشرون فى الدفاع عن أهمية التشريعات القانونية التى تكفل العدالة وتؤمن الاستقرار فى الدولة. ولما جاء الإسلام وقامت الدولة الإسلامية واتسعت آفاقها كانت التشريعات القانونية المستمدة من الشريعة الإسلامية وما اتسمت به من سماحة وسمو وما كفلته من حقوق متساوية لجميع البشر سواء من المؤمنين بالإسلام ديناً أو من غيرهم من مواطنى الدولة هى أهم أسس بناء الحضارة الإسلامية وإمبراطوريتها العظمى التى حملت مشاعل التقدم والحداثة والتنوير للعالم أجمع، ومنها استقى الغربيون المحدثون الكثير من أسس حداثتهم فالنظم القانونية للدولة الإسلامية وتنظيماتها الاجتماعية والسياسية والعلمية، كانت هى القدوة والملهم الأول لمعظم جوانب الحداثة الغربية منذ حركة الإصلاح الدينى وبدايات عصر النهضة. وقد تطور الأمر لدى فلاسفة العقد الاجتماعى وفلاسفة التنوير فى القرنين السابع عشر والثامن عشر، فأصبح القانون لديهم هو روح الدولة وبكماله وشموله وتعبيره عن الحقوق المثلى التى ينبغى أن يتمتع بها الإنسان هو أساس بناء الدولة الحديثة وأساس استقرارها أياً كان النظام السياسى الموجود فى هذه الدولة أو تلك، ملكية كانت أو جمهورية، رأسمالية كانت أو اشتراكية.

إن ما كتبه لوك وروسو ومونتسكيو وكانط وهيجل من الفلاسفة المحدثين وغيرهم عن القانون وأهميته فى بناء الدول والمجتمعات الإنسانية الحديثة والناجحة لا يزال ملهماً لكل فلاسفة ومفكرى العصر الحاضر ولا تزال الدساتير والقوانين واحترامها هى الفيصل بين الدول المتقدمة القادرة على بناء مجتمع الحداثة وبين الدول المتخلفة التى إن نجحت فى سن التشريعات والقوانين لا تعرف كيف تتقيد به وتلزم به مواطنيها حكاماً كانوا أو محكومين!.. فهل نعى الدرس ونتحول إلى مجتمع حداثى يسعد كل أفراده بسيادة القانون واحترامه؟!

 

[email protected] com