رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

كثيراً ما يتحدث البعض من العامة والمثقفين عن الحداثة والتحديث، ويخلطون بين المصطلحين، والحقيقة أن فرقاً كبيراً بين الحداثة والتحديث، رغم الارتباط الوثيق بينهما لفظاً ومعنى؛ إذ لا حداثة بدون تحديث، ولا تحديث بدون حداثة!!

عادة مايطلق مصطلح «الحداثة» على التطور الذى حدث على المجتمعات الغربية منذ عصر النهضة إلى اليوم، ويغطى مختلف مظاهر الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأدبية، وهو يشير إلى التغيير المستمر والصيرورة الدائمة التى تؤدى فى النهاية إلى انهيار المعايير والقيم الثقافية التقليدية ليحل محلها القيم الثقافية الجديدة. وفى حالة الحداثة الغربية التى بدأت مع بزوغ عصر النهضة كانت هذه القيم الجديدة تتركز على إعمال العقل فى كل نواحى الحياة وإطلاق حريات الأفراد الإبداعية للكشف عن تفسيرات علمية للظواهر الطبيعية بعيداً عن التفسيرات الساذجة التى ظلت عالقة بالأذهان منذ أرسطو فى القرن الرابع قبل الميلاد والطريقة المدرسية التى وضعتها فى أطر جامدة تكرر تدريسها وتكريسها طوال العصور الوسطى، وكانت أكثر لحظات التاريخ الحديث أهمية وإبداعاً هى تلك اللحظات التى تم فيها الكشف عن الطريق المسدود الذى يقودنا إليه هذا المنطق المدرسى العقيم على يد بيكون فى إنجلترا وديكارت فى فرنسا وإبداعهما لمناهج جديدة ومنطق جديد. ومن ثم فهما رئدا الحداثة الأوروبية الحقيقيان.

لقد ارتبطت الحداثة بظهور الفلاسفة الذين دعوا إلى إعمال العقل الفردى فى كل ما حولنا من ظواهر وتفسيرها طبقاً لقناعة هذا العقل الفردى وبالمعايير العقلية التى يختارها سواء استخدم المنهج الاستنباطى الحدسى عند ديكارت أو استخدم المنهج الاستقرائى التجريبى عند بيكون. وقد سارت الحداثة الغربية فى الاتجاهين معاً؛ حيث تدعم الاتجاه العقلانى بعد ديكارت على يد ليبنتز واسبينوزا وكانط وغيرهما كما تدعم الاتجاه الاستقرائى التجريبى عند جون لوك وجون استيوارت مل وديفيد هيوم وغيرهم.

وبناءً على هذا المنهج التجريبى الاستقرائى، انطلق العلماء فى كل فروع العلم الحديث ليحققوا الانتصارات العلمية المتوالية ولم تعد أى ظاهرة من الظواهر الطبيعية بعيدة عن الخضوع للتفسير العلمى وتوالى التقدم العلمى من كبلر إلى نيوتن فى مطلع العصر الحديث وحتى آينشتين وستيفن هوكنج فى القرن العشرين.

إن الحداثة إذن هى نمط من التفكير العقلانى العلمى الذى ابتعد بالأوروبيين عن الخرافة والتقليد ونقلهم إلى الإبداع والتقدم المطرد ومن ثم تم فصل الدين عن العلم والفلسفة من ناحية وفصل السياسة عن السلطة الدينية من ناحية أخرى، ولقد كافح فلاسفة السياسة فى هذا الجانب الأخير دفاعاً مريراً منذ كتب مكيافيللى كتابه الشهير «الأمير» عام 1515م ومنذ حركة الإصلاح الدينى التى قادها مارتن لوثر عام 1517م مروراً بفلاسفة العقد الاجتماعى (هوبز وجون لوك وروسو) وغيرهم من فلاسفة التنوير من أمثال فولتير وديدرو ومونتسكيو.

 إن مسار الحداثة الأوروبية هو ذاته مسار تطور الفكر الغربى الفلسفى والعلمى والسياسى والاجتماعى والدينى.

وللحديث بقية.