رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«نحو المستقبل»

 

بدأت بالفعل الحرب الاقتصادية بين القوتين الاقتصاديتين الأعظم فى العالم أمريكا والصين منذ دخلت قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فرض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية حيز التنفيذ، وردت عليها الصين بقرارات مماثلة بعد أن اشتكت إلى منظمة التجارة العالمية وحذرت من العواقب الوخيمة للقرارات الأمريكية على الاقتصاد العالمى وبدأت التوجه إلى أوروبا لتتخذ اجراءات مماثلة ردا على القرارات الأمريكية، وبالطبع فقد بدأ الخبراء من الجانبين وفى كل أنحاء العالم يتساءلون عن مدى تأثير هذه الحرب التجارية على الاقتصاد العالمى من جهة وعلى القوتين المتحاربتين من جهة أخرى؟!

والطريف أن معظم هذه الآراء قد اتجهت إما إلى القول بأن الكل خاسر أو إلى القول بأن التأثير الأكبر والخسارة الأعظم ستكون على الاقتصاد الصينى، والحقيقة أننى أظن - وليس كل الظن اثم - أن الخاسر فى النهاية هو الولايات المتحدة الأمريكية والاقتصاد الأمريكى وقد تكون هذه الحرب التى بدأ اعلانها ترامب بعنجهيته المعهودة هى بالفعل بداية النهاية للهيمنة الأمريكية على العالم ومن ثم ايذانا بانتهاء عصر العولمة ذاته! فالاقتصاد الأمريكى فى واقع الحال يعتمد فى جانب كبير منه على التداخل والشراكة مع العالم ويستغل كل آليات التجارة الحرة لصالحه عبر الشركات العابرة للقارات والتى تعتمد بالفعل على استغلال الموارد العالمية واستثمارها لصالح الاقتصاد الأمريكى من جهة، والسيطرة على السوق الشرائية فى كل أنحاء العالم من جهة أخرى! ولنا أن نتصور تطور هذه الحرب التجارية إذا ما قررت الصين فجأة الاعتماد على الذات وهم من اعتادوا على حياة الزهد والتقشف منذ زمن بعيد واستثمار تقدمها التكنولوجى المستقل فى الاستقلال الاقتصادى. إن الصين تستعد لهذه اللحظة فى التحدى الحضارى منذ فترة طويلة ولم تكن تريد أن تكون هى من يبدأ هذه المواجهة، وهذا ما عبر عنه الفيلسوف الصينى المعاصر البروفيسور تشانغ وى وى فى كتابه «الزلزال الصينى - نهضة دولة متحضرة» الذى كتبه عام 2011م وتمت ترجمته إلى العربية مؤخرًا، حينما قال: «إن الصين لا ترغب فى الإعلان رسميًا عن نهضتها, ولا تزال تدعى أنها دولة نامية.. وهى غير راغبة فى استخدام فكرة النموذج الصينى»، والواقع أن الحقائق التى عبر عنها نفس الكاتب فى كتابه بداية من عنوانه «الزلزال الصينى» تكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الحرص الصينى الذى يبدو فى توصيفهم لتجربتهم النهضوية على أنها لا تزال تجربة دولة نامية، ومن ثم فلا داعى للتسرع فى الإعلان عن أنها تجربة نهضوية مذهلة وقادرة على هزيمة كل المنافسين، أقول إن هذا الحرص قد تضاءل الآن إلى أدنى مستوياته وهذا ما يكشف عنه تشانغ وى نفسه حينما يقول فى نفس الموضع السابق «إن نهضة الصين بالفعل مذهلة بالنسبة للعالم الخارجى بجميع المقاييس». ويؤكد دانيل بورشتاين وارنيه دى كيزا وهما من أكبر المستشارين الاقتصاديين فى الولايات المتحدة الأمريكية - فى كتابهما «التنين الأكبر - الصين فى القرن الواحد والعشرين» - نفس الشيء حيث يحسمان الجدل بين المضاربين بالصعود الصينى ونقادهم بالقول إن «المعجزة الاقتصادية الصينية الجديدة قد استقرت ورسخت، ويتنبأ هذان الكاتبان بأن الصين ستصبح بحلول عام 2022م وهو عام التنين فى التقويم السنوى الصينى قادرة على تحقيق الحلم الصينى الكبير باعتبارها القوة المهيمنة على الاقتصاد الأسيوى ومن ثم العالمى عبر توافق المصالح الصينية اليابانية ومن حولهما عشرة نظم اقتصادية أسيوية التى تسمى بالنمور الأسيوية الصغيرة، ما سيجعل القرن الواحد والعشرين قرن آسيا.

ويبدو أن الصين بردها السريع على الاجراءات الأمريكية قد كشرت عن أنيابها وستكشف الأيام والشهور القليلة القادمة عن المزيد من الاستغلال الصينى لشراكتها الاقتصادية والسياسية مع التجمعات الاقليمية والدولية والاسراع بتنفيذ استراتيجية ما يسمونه «الحزام والطريق» لتطويق التجارة العالمية حتى تنفض عن نفسها وعن الشرق الآسيوى والشرق العربى الأفريقى غبار التبعية للاقتصاد الأمريكى الذى يعد رغم كل ما يتمتع به من قوة أكبر اقتصاد مدين فى العالم!

 

[email protected]