رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لا يوجد امرؤ مهتم بالثقافة العربية الإسلامية إلا ويعرف الفيلسوف الأندلسى الكبير أبوالوليد ابن رشد فقد كان هو آخر سلسلة الفلاسفة العقلانيين الكبار الذين نادوا بالتوفيق بين الشريعة والحكمة «الدين والفلسفة»، وقد جاء هذا التوفيق واضحاً جلياً عند ابن رشد، فبعد أن قضى عمراً طويلاً فى دراسة الفلسفة اليونانية وتقديم شروحه الشهيرة على ما كتبه أرسطو للدرجة التى عرف بها بأنه «الشارح الأكبر»، عبر فى كتابين صغيرين فى الحجم كبيرين فى القيمة هما «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» و«الكشف عن مناهج الأدلة فى عقائد الملة عن فلسفته الخاصة التى أمكنه التعبير عنها فى عبارات موجزة مثل « مامن منطوق به فى الشرع مخالف بظاهره لما أدى إليه البرهان، إلا إذا اعتبر الشرع وتصفحت سائر أجزائه، وجد فى ألفاظ الشرع ما يشهد بظاهره لذلك التأويل أو يقارب أن يشهد» و«إن الفلسفة تفحص عن كل ما جاء فى الشرع، فإن أدركته استوى الإدراكان، وكان ذلك أتم فى المعرفة وإن لم تدركه أعلمت بقصور العقل الانسانى عنه وأن يدركه الشرع فقط».

إن هاتين العبارتين تقولان بكل بساطة أن ابن رشد ينتصر للعقل فى تأويل الشرع ويميل إلى أنه لا يوجد أى تعارض بين الفلسفة والدين بل هما يتكاملان فى إدراك الحقيقة وأن ثمة ما يعجز عنه العقل فيكون القول الفصل فيه للشرع.

إن هذا هو الموقف الحقيقى لابن رشد الذى اختلف حوله العامة والخاصة، فقد ظن عامة الناس منذ عصره وربما حتى الآن أن ابن رشد ينتصر للعقل بشكل مطلق ومن ثم كفروه وأحرقوا مؤلفاته والغريب أنه قد شاركهم فى هذا الظن بل وتأكيده بعض شراحه ومفسريه من العقلانيين العلمانيين المعاصرين واعتبروه أحد رواد العلمانية بمعناها الغربى الذى يفصل بين الفلسفة والدين فصلاً تاماً!

وبالطبع وفى ضوء العبارتين اللتيين أوردناهما لابن رشد فإن كلا الطرفين جانبهما الصواب فى فهم ابن رشد، فالعلمانيون المعاصرون قد أعجبهم فيه عقلانيته التى تصوروها مطلقة وتعادى الدين ورجاله!، وعامة المسلمين ومعهم أهل السنة والأشاعرة قد عادوه وعدوه هم أيضاً مغالياً فى الانتصار للعقل على الشرع! والحقيقة أن موقفه فى جوهره – كما كشف عنه مؤخراً د. فيصل بدير عون فى كتابه المهم «ابن رشد بين الشريعة والحكمة» - لا يدلل على أن الفلسفة أعلى مرتبة من الدين ولا على أن الفلاسفة أعلى مرتبة من علماء الكلام وإنما على أن كلا من الإيمان والعقل له طريق خاص يوصل إلى الحقيقة ولكنهما يلتقيان فى نهاية المطاف وإن كانا يلتقيان بمنهجين متباينين.. وقد عبر ابن رشد بعبارته الشهيرة «إن الحق لا يضاد الحق» عن هذا التلاقى بين طريق الشريعة وطريق الحكمة.. وقد أحسن د. فيصل صنعاً حينما اعترف فى هذا الكتاب بأنه غير موقفه المبدئى من الميل إلى موقف الأشاعرة ورفض ابن رشد بحجة أنه ممن انتقدوا علماء الكلام وخاصة الأشاعرة حينما تخلص من تأثير أساتذته عليه وأعاد قراءة ابن رشد قراءة المحب للفلسفة الباحث عن الحقيقة.

ولا شك أننا اليوم أشد حاجة إلى أن نتأمل هذه الكلمات ونعى الرسالة التى حملها ابن رشد فيها، فهى رسالة حب لكل من الحكمة والشريعة معاً ولكل من يناصرهما معا بشرط إدراك أن كليهما فى حاجة إلى الآخر وأنه لا شريعة بدون عقل واعى يفهم مراميها ويجددها بحسب تغير أحوال البشر ولا حكمة حقيقية يتحلى بها الفلاسفة حقاً إن لم يكن الايمان بالله حقيقة واقعة فى حياتهم.

 

 

[email protected]