رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لا أدرى سببًا واضحًا لمحاولاتنا الدائبة فى اللهاث وراء التجربة الغربية أوروبية كانت أو أمريكية فى التقدم الحضارى اللهم إلا أننا لا نزال متأثرين كدول وشعوب بالمرحلة الاستعمارية التى كان من نتائجها الخطيرة ربط عجلة الاقتصاد فى الدول المستعمرة بالدول المستعمرة من جانب، وانسحاقنا فى تقليد النموذج الثقافى الغربى فى كل شىء، إذ لا نزال رغم التحرر ورغم الاستقلال نشعر بالدونية تجاه هذا النموذج ومن ثم نحاول تقليده واستنساخه وكأنه لا يوجد طريقًا للتقدم والنهوض إلا عبر هذا النموذج. والغريب أنه قد مرت السنون حقبة بعد أخرى ونحن لا نزال نحاول ولا نلقى سوى الفشل من جانب، ونقد الآخرين لنا وتعاليهم علينا من جانب آخر!!

أقول هذا الكلام بعد مرور خمسة عشر عامًا على صدور كتابى «ما بعد العولمة» وعشرون عامًا على صدور كتابى الأسبق منه «ضد العولمة»، فقد صدر الأخير عام 1998م، وصدر الأول عام 2002م، وقد نبهت فى الأول إلى خطورة انسياقنا وراء دعوات العولمة التى كان ظاهرها الدعوة إلى تحقيق التقارب والتعاون بين الدول والشعوب بينما كان باطنها فرض الرؤية الغربية الثقافية والاقتصادية على شعوب العالم وقولبتها على حسب الهوى الغربى وبما يحقق المصالح الغربية فى الهيمنة على الاقتصاد العالمى وفرض الوصاية الغربية على كل الشعوب عن طريق القوة الناعمة وليس عن طريق القوة الخشنة التى فات أوانها بتخلص الشعوب من كل صور الاستعمار المباشر باستثناء فلسطين المحتلة!

ولما كانت العولمة كأنها قدر العالم المقدور وفرضت الهيمنة الاستعمارية غير المباشرة على العالم تحت دعوى أن العالم أصبح أشبه بقرية واحدة وأن ثمة ثقافة واحدة ونمطا اقتصاديا واحدا يسودان العالم، فقد بدت سوءاتهما للقاصى والدانى وأصبح العالم يعانى منذ نهايات القرن الماضى من الهيمنة والاستبداد الغربيين اقتصاديًا وسياسيًا وكثرت الأزمات الاقتصادية تحت وطأة هيمنة نموذج الرأسمالية الخشنة التى لم تستهدف يومًا تحقيق العدالة، بل سمحت بكل بساطة بأن ينقسم العالم إلى الخمس الثرى (متمثلاً فى أصحاب رؤوس الأموال وملاك الشركات الكبرى فى العالم ودولها) والأربعة أخماس الفقراء، وها نحن نرى أن الأثرياء يزدادون ثراءً وتنتقل رؤوس أموالهم بين قارات العالم ويؤسسون شركاتهم عبر دول العالم المختلفة مصطنعين التشريعات التى تحمى رؤوس أموالهم والعلامات التجارية الخاصة بهم وهاهم فى سبيلهم لأن يمتلكوا العالم كله ويستحوذوا على ثرواته!!

ومن هنا كان التنبؤ بأن هذه المرحلة العولمية المفروضة من قبل نمط ثقافى واقتصادى معين لن تستمر لأن التاريخ علمنا بأن غرور القوى الإمبراطورية العظمى ورغبتها الدائمة فى التحكم والسيطرة وفرض الأمر الواقع على الآخرين والتمدد غير المبرر لفرض الهيمنة والسيطرة يؤدى حتمًا إلى الانهيار والسقوط. وفى ضوء ذلك تنبأ الكثيرون من فلاسفة الغرب ومؤرخيه بانهيار هذا النموذج الحضارى الغربى ذي البُعد الواحد رغم كل المحاولات اللاهثة التى تجرى لإصلاح بعض هفواته والكثير من عيوبه، وفى إطار ذلك كان كتابى الثانى «ما بعد العولمة» الذى اعتبر أن العولمة بكل تداعياتها هى مجرد مرحلة من مراحل التاريخ البشرى روجت لها القوى المسيطرة الآن، وهى حتمًا ستنتهى بنهاية سيطرة هذه القوى المسيطرة. ومن ثم فعلينا أن نتساءل: ماذا بعد العولمة؟! ومن هى القوة التى ستهزم هذه القوة المسيطرة حاليًا وستحل محلها فى قيادة الدورة الحضارية الجديدة. وكانت إجاباتنا فى هذا الكتاب أن التفاعل الحضارى الحادث الآن يقود حتمًا إلى أن السيطرة ستكون لبلاد الشرق الآسيوى بقيادة الصين؛ لأن ما درسناه من عوامل التفكك الداخلية للمجتمع الأمريكى وقوته السياسية والعسكرية والاجتماعية، بالإضافة إلى الانتصارات المتوالية والتقدم المطرد لاقتصاديات دول شرق آسيا بقيادة الصين، كل ذلك نتيجته الحتمية أن عصر ما بعد العولمة عصر نهاية الهيمنة الغربية على العالم ستقوده الصين فهى الآن القوة المنافسة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، وهى فى المستقبل القريب الذى حددته الدراسات المختلفة فيما بين عامى 2020 و2030 ستصبح القوة الأولى فى العالم.

وفى ضوء كل ذلك قلت أنئذ: أن علينا ونحن نحافظ على الخيط الرفيع الذى يربطنا بالثقافة الغربية والذى يجعلنا قادرين على الحفاظ على هويتنا الحضارية واستقرارنا الاجتماعى والاقتصادى، علينا أن ننظر بعين الاعتبار والاهتمام إلى التجربة الأسيوية بقيادة الصين فى التقدم والنمو وهى تجربة مختلفة ولها استقلاليتها ونموذجها المتفرد. وباختصار كانت رؤيتى فى ذلك الوقت وإلى الآن: أن علينا أن نحافظ على علاقتنا المتوازنة مع القوى الغربية حتى لا نصبح أعداء لها ومن ثم نصبح هدفًا لقوتها الغاشمة ورغبتها الدائمة فى تفتيت قوتنا واستنفاد مواردنا، وفى ذات الوقت علينا مد الجسور مع الصين ودول الشرق الآسيوى باعتبار دوله وشعوبه هم الأقرب حضاريًا لنا وباعتبار أن الصين كذلك هى القوة المستقبلية التى ستقود الدورة الحضارية القادمة.

والسؤال الآن: هل تحققت هذه التنبؤات وهل أصبحت الصين هى القوة القادرة على قيادة الدورة الحضارية القادمة ؟! وما هى عوامل نهضتها الحضارية وما هى الأسس التى بنت عليها تجربتها التقدمية، وكيف يمكننا الاستفادة منها؟!