رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

بيتها يتحول كل جمعة إلى ما يشبه الفصل الدراسى، كل أطفال الشارع وأنا ندلف باب شقتها المفتوح غالبا، نقصد الصالة الواسعة، نجلس على حصيرة غطتها بـ«كليم» بعدما تمتلئ بنا مقاعد الأنتريه، أعيننا الصغيرة شاخصة نحو شاشة الجهاز السحرى، فيلم يوم الجمعة على القناة التليفزيونية الوحيدة فى هذا الزمان، لا أعرف لماذا كانت «أم عبده مكارى»، تتحمل وحدها هذا الجهد الأسبوعى من استضافة أطفال الجيران لمشاهدة الفيلم، ولا سر تحملها وحدها قيمة الكهرباء المستهلكة بالإنابة عن بيوتات الشارع التى لم تخلُ من نفس التلفاز بحجمة البدائى وهيكله الخشبى، بل كانت تقدم لنا «حلوى وترمس.. وفول سودانى وبلح»، أشياء صغيرة تسعدنا، نجلها الأكبر عبده لديه ميكروباص يذهب به إلى المصنع التى يمتلكه والده، وكان كريما كأمه، يأخذ كل من يصادفه من الجيران فى طريقه لتوصيلهم، وكان يردد للمتحرجين «يا عم سوهاج كلها شبرين» وبالطبع هذا غير حقيقى، أما زوجها فكان يأخذ «يشغل» من يستطيع من أبناء الجيران فى مصنعه أو فى مصانع أصحابه بأجور مجزية مقارنة بغيرها فى حينه.

كطفلة لم أتوقف أمام ما يحدث مستمتعة كغيرى بعطايا جارتنا ذات الوجه «الحنطى» الطيب والبدن الممتلئ، حين وصلت للجامعة، عرفت إجابات لأسئلة تراكمت داخلى، أن أم عبده ثرية، وزوجها لديه مصنع ولديهم عمارة، فلم تبخل على جيرانها من فيض الله، فوفرت عليهم كهرباء وأشياء أخرى كثيرة كانت ترسلها لهم هدايا ومحبة، كما وفر ابنها على الجيران أجرة المواصلات، واكتشفت أنها مسيحية ولم أندهش، فلم نكن نعرف نوع الديانة فى هذا الزمن، ولى إخوة فى الرضاعة مسيحيون.

فى بساطة وعفوية كانت أم عبده مثالاً للتكافل الاجتماعى، وانتقلت سنتها الحسنة لباقى الجيران، فكانت كل جارة أو جار يمدون يد العون للآخرين قدر استطاعتهم، حتى الشباب الجامعى كانوا يتطوعون لشرح الدروس الصعبة لأبناء جيرانهم بلا مقابل، تيسيرا على أسرهم فى وقت كانت الدروس الخصوصية تتسلل على استحياء فى مجتمعنا.

الآن نحتاج لمليون «أم عبده مكارى»، هى وزوجها وأولادها لنتكافل معا، ليمد الغنى يده للفقير، ويشد الناجح يد المتعثرين ممن حوله ويساعدهم، أن يساعد طلاب الجامعات والمدارس من المتفوقين زملاءهم الأقل فى التحصيل، ليوفروا على أسرهم نفقات الدروس الخصوصية، من لديه سيارة يساعد جيرانه ويأخذهم فى طريقه للعمل ذهابا أو عودة قدر استطاعته بما لا ينعكس عليه بالتأخير، وكذلك يفعل زملاء العمل إذا كانوا فى حى واحد وأعمالهم متقاربة توفيرا للبنزين، أن تقوم الأمهات بالاحتفاظ بالكتب وأيضاً بالملابس التى صغرت على أولادها وتعدها بشكل نظيف وتهديها لجيرانها المحتاجين، ولو لديها قطع أثاث ستستغنى عنها تهديها للمحتاجين من الأقارب والجيران، أن يتعاون الأثرياء فى إقامة أسواق شعبية على صورة الجمعيات التعاونية لطرح سلع وأثاث وزىّ مدرسى ومستلزمات مدرسية وأجهزة وغيرها بأسعار بسيطة للمحتاجين، يا سادة جهد الدولة وحده «لنعدى» تلك المرحلة الاقتصادية الصعبة لا يكفى.

أحزن كثيراً حين أرى منظومة رائعة للتكافل الاجتماعى فى دول أوروبا باسم الإنسانية لا الأديان السماوية، منظومة تتكامل مع جهود الدولة لمواجهة الفقر، رغم أن كلمة فقير هناك تختلف، فهى تعنى عدم الرفاهية، هناك الكل يتكافل، حتى إن أى عروسين لا يقومان تقريبا بتأثيث منزلهما وحدهما بل يتكاتف الأقارب والمعارف بإهداء قطع أثاث وأساسيات وكماليات الشقة، لذا زواجهم ميسر التكلفة، فيما تقوم مجالس البلديات بتسيهل إقامة أسواق شعبية فى الأحياء يعرض فيها المواطنون كل ما هو القديم لديهم بدءا من لعب الأطفال وحتى قطع الأثاث بمبالغ زهيدة جدا، ويكون يوما معفيا من الضرائب، وأماكن عرض السلع مجانا تيسيرا على البائع والمشترى، فأين نحن من التكافل الاجتماعى هذا المجداف المهم الذى سيساعد على عبورنا لشاطئ الأمان، علينا أن «نهدئ» الأنانية والذاتية، حتى «نعدّى» تلك الموجة من الاقتصاد الصعب وغلاء الأسعار.. وللحديث بقية.

[email protected]