رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

(نحو المستقبل)

من المعروف أن التقدم الحضارى يقوم على عدة أسس أولها وأهمها عقلانية التفكير لأنه دون تفكير عقلى تحليلى لن يستطيع الإنسان التماس الطريق الصحيح للتقدم العلمى ولا إدراك العوامل الدافعة للبناء الحضارى دينية وأخلاقية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو غيرها. وبالطبع فإن الفلسفة –كما قلنا فى المقال السابق– هى العلم الوحيد الذى يكسب الإنسان مهارات التفكير العقلى من القدرة على الاندهاش وإثارة التساؤل إلى الشك والنقد والتحليل والحوار والتعميم والتجريد والتنبؤ.. الخ، وفرق كبير بين الإنسان الذى قد يمارس هذه المهارات بشكل تلقائى طبيعى يتسم بالسطحية والتخبط ويختلط بالكثير من العواطف والانفعالات وبين ممارسة هذه المهارات لدى من تدربوا عليها واكتسبوها عبر دراسة الفلسفة ومعايشة التجارب الفلسفية العقلية التى تبدو فى المذاهب والرؤى العقلية النافذة للفلاسفة عبر تاريخ الفلسفة، تلك الرؤى التى أيقظت وعى البشر فى كل العصور وأرشدتهم إلى خارطة طريق التقدم فى هذا العصر أو ذاك. وبعيداً عن هذا الحديث النظرى عن أهمية دراسة الفلسفة وتاريخها، فإن التفكير الفلسفى هو التفكير العقلى الذى يقود الإنسان بحق إلى التماس الطريق الصحيح للاقتناع بأى معتقد من المعتقدات أو بأى حقيقة من الحقائق عن طريق الحجة والبرهان. إنه الذى يكسب الإنسان القدرة على نقد الأفكار غير الصحيحة عبر تحليلها والموازنة بينها وبين غيرها من الأفكار والبرهنة المستقلة على صحتها بعيداً عن أى سلطة غير سلطة العقل الفردى الواعى الذى لا يسلم بشىء إلا إذا اقتنع به هو فعلاً. إنه الذى يمكن الإنسان من إدراك أنه لا توجد حقيقة مطلقة – اللهم إلا إذا كانت مصدرها الوحى الإلهى – إذ لا يملك أى إنسان مهما بلغت قدراته العقلية ومهما كثر عدد مؤيديه أو أتباعه إلا أن يقدم وجهة نظر خاصة حول أى موضوع من الموضوعات!

إن دارس الفلسفة لا يتلقى أى فكرة أو أى رأى ويسلم به إلا بعد أن يختبره اختباراً عقلياً نقدياً تحليلياً ومن ثم فهو لا يمكن أن يقع فريسة لمخادع أو لمغالط أياً كانت سلطته الفكرية أو الدينية أو السياسية.. إلخ. وربما يتضح لنا فى ضوء ذلك لماذا كثر التعصب والجمود الفكرى فى دولنا العربية والإسلامية!! إن السبب الأهم لذلك هو غياب التفكير العقلى (الفلسفى) المستقل وعدم التدرب عليه لدى شبابنا، إن السبب المباشر فى ذلك هو نظمنا التعليمية التى تقوم على تلقين كل المعارف وكأنها حقائق يقينية لا تقبل المناقشة أو الشك فيها!! إن السبب المباشر لذلك هو وأد القدرات الإبداعية لدى الشباب بما نفرضه عليهم من مقررات دراسية محتوها ثابت لا يملك الدارس النظر العقلى فيها أو الإضافة إليها من قراءاته الخاصة مع أن ديننا الإسلامى الحنيف يحضنا حضاً على التفكير العقلى والاجتهاد فيما لم يرد فيه نص واضح لا يقبل التأويل! لقد أغلقنا فى عالمنا العربى والإسلامى باب الاجتهاد والإبداع منذ نكبة ابن رشد وإحراق العامة لكتبه رغم أنه كان فقيه الأندلس وصاحب أعظم ما كتب عن التوفيق بين الفلسفة والدين وإزالة أى شبهات للتعارض بين دراسة الفلسفة والإيمان بالعقيدة الإسلامية. إن العقيدة الإسلامية تقوم فى الأساس على إعمال العقل، وكم كان الإمام الغزالى رحمه الله واعياً بهذه الحقيقة حينما قال «العقل أس الشرع وما لم يكن أس لم يكن بناء» وحينما عضد دراسة الفلسفة ومهاراتها بقوله «من لم يشك لم ينظر ومن لم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر بقى فى العمى والضلال»!

ولعلنا نتذكر جيداً أن بداية نهاية ازدهار الحضارة العربية الإسلامية كان بداية من هذا العداء للفلسفة ودراستها وشيوع كلمات وعبارات من قبيل «الفلسفة كفر والحاد» و«ربنا يكفيك شر الفكر» و«بلاش فلسفة»، وطالما ظلت هذه النظرة العدائية للفلسفة وللتفكير العقلى التحليلى النقدى سيظل العالم العربى والإسلامى قابعاً فى ذيل الأمم يعانى محنة الجمود والتخلف، والعكس صحيح فكلما فتحنا المجال للحريات والإبداع والتفكير العقلى المستقل واحتفينا بهما فى نظمنا التعليمية وحياتنا الثقافية زادت فرصنا للتقدم والنهوض والمشاركة الفاعلة فى الحضارة العالمية أملاً فى العودة مستقبلاً إلى الريادة الحضارية من جديد.

[email protected]