رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

كتبت ستة مقالات من قبل عن أزمة سد النهضة تتناول فصولًا مختلفة ومتتابعة من تطوراتها، وأخبرنى الدكتور الشافعى بشير الأستاذ الحقوقى بجامعة المنصورة أنه كتب 18 مقالا، وأتصور أن الصديق هانئ رسلان المتخصص فى هذا الملف كتب أكثر من ذلك بكثير. وخرج علينا بالأمس عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة الأهرام بالأمس بمقال، لا يمكن لقارئه ألا يدرك مغزاه، يقطر أسى على الموضوع، متسائلا عن المدى الذى سيصل إليه الغموض فى الموقفين الإثيوبى والسودانى بشأن الأزمة؟ كل ذلك إن دل على شيء فإنما يدل، إلى جانب جوانب أخرى كثيرة على الأهمية التى تمثلها أزمة سد النهضة فى الضمير المصرى العام، والقلق من النفق الذى يبدو مسدودا وتصير إليه.

مشكلة أى حديث فى هذا الشأن أن البعض يتصور أن المقصود من المتحفظين على سلوك المفاوض المصرى هو الدعوة إلى «الضرب فى المليان».. وانتهاج مسلك الحرب، وهو تصور غير سليم، ذلك أن إدارة العلاقات بين الدول، كما هى بين الأشخاص، يوجد لها من المواقف والسياسات ما يوجد فى ألوان الطيف، ومشكلة السلوك التفاوضى المصرى أنه يتبع منطق الجنوح إلى السلم إلى ما لا نهاية، فيما الطرف الآخر يتبع نهجًا صهيونيًا بامتياز، وذلك الوصف ليس سبة أو شتيمة وإنما هو وصف واقعي، فالسلوك الإثيوبى فى التفاوض بشأن سد النهضة هو نفس السلوك الإسرائيلى فى التفاوض بشأن قضية السلام وإعادة الأراضى المحتلة لأصحابها، كلاهما يقوم على فرض أمر واقع لا يمكن تغييره وتكلفة هذا التغيير لو أراد الخصم ستكون باهظة تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على مثل هذه الخطوة.

خذ مثلا قضية القدس، لقد ابتلعتها إسرائيل بحيث أصبح أقصى آمال المفاوض العربى هو ركن فى القدس يتيح له القول بأنه نجح فى استردادها.. وحتى هذا الركن أصبح عصيا على التحقق. الأمر ذاته بالنسبة لإثيوبيا، فأديس أبابا تبنى ثم تبنى وهى تتفاوض بحيث إنه مع نهاية المفاوضات يكون السد قد اكتمل وقتها تكون الخيارات قد ضاقت لأقصى حد أمام المفاوض المصري.

المتتبع للموقف المصرى بدقة يلفت نظره تلك المفارقة التى تتمثل فى أنه يتبع سياسة تقوم على الاستعداد للسيناريو الأسوأ، فى الوقت الذى يطالب فيه بحقوقه وبحرص يحسد عليه، فعمليات تحلية المياه جارية على قدم وساق، وكأننا سنواجه أزمة مائية غدا، وذلك شيء رائع، وعمليات المعالجة لمياه الصرف الصحى فى قمة الإنجاز، رغم ضخامة تكاليف مثل هذا التوجه فى بلد يواجه ضائقة اقتصادية مثل مصر. غير أن ذلك لا يعنى بأى حال التراخى على المسار الآخر المتعلق بحقوقنا فى مسار عملية سد النهضة وهو ما بدا واضحًا فى تصريحات وزير الخارجية سامح شكرى والتى خرجت عن المألوف وكشفت عن حجم الغضب الرسمى الذى يجرى محاولة كتمه من الموقف الإثيوبى حيث راح يؤكد على استمرار مصر فى الدفاع عن مصالحها وأنه لن يفرض عليها وضع قائم.

الجديد فى الموقف المصرى الرسمى بعد مفاوضات أبريل الجارى والتعثر الذى واجهته دعوة مصر للاجتماع التُساعى والذى كان من المفترض عقده الجمعة الماضية، هو التحول من الطمأنة إلى التعبير عن الشعور بالخطر.. لقد كانت لغة الخطاب الرسمى حتى فترة غير قصيرة، هي دعوة المواطنين إلى عدم القلق باعتبار أن الأزمة محلولة وأنها فى نطاق السيطرة، غير أن لغة شكري، إذا أضفنا إليها لغة مقال سلامة، باعتبار الأهرام الأقرب للتعبير الإعلامى عن موقف الدولة، تكشف عن إدراك – جاء متأخرا بعض الشيء – أن إثيوبيا تماطل سعيًا لكسب المزيد من الوقت. وقد يكون هذا الإدراك قائمًا منذ فترة وساد تحفظ على إعلانه تقديمًا لمبدأ حسن النوايا. الموقف باختصار تعكسه تلك الرؤية بالغة الصراحة والوضوح لمستشار وزير الرى السابق ضياء الدين القوصى التى راح يشير فيها إلى أن الود والمحبة المصرية فى المفاوضات، لم يأتيا بنتيجة إيجابية فى مفاوضات سد النهضة وأن المفاوضات مع إثيوبيا والسودان اتسمت من جهتهما بالتصلب والرعونة.

المهم أن الأزمة، فى حدود ما هو معلن، يبدو أنها وصلت مرحلة أخيرة تتطلب موقفًا أو تعاطيًا مختلفًا من المفاوض المصري، فهل تبدأ مصر مسلكا آخر بعد أن تستنفد الحلين الفنى والسياسي، باللجوء إلى الحل القانونى كما أشار القوصى أيضا سواء بتقديم شكاوى للأمم المتحدة، أو منظمة الوحدة الأفريقية، أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية. ليس أمامنا فى كل الأحوال سوى الثقة بقيادتنا وأنها.. لن تضيعنا.. لن تضيعنا.

[email protected]