رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

الصديق العزيز الدكتور نصر عارف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة من الكتاب القلائل الذين يمكن أن تستمتع بما يكتبونه بغض النظر عن حجم اختلافك مع ما يكتبه، فبفضل ثقافته الموسوعية وفكره العميق يمكن أن تثري معرفتك بالقضية محل تناوله أيًا كان الرأي الذي ستتبناه في النهاية بشأنها.

ومن خلال منصته التي يطل علينا منها في الأهرام أسبوعيًّا يصول عارف ويجول في تناول قضايا الوطن والأمة بنبرة تملؤها الغيرة من أجل مستقبل أفضل للوطن والأمة، والأمل في تجاوز عثراتنا بما يجعلنا في مصاف الأمم أو «قد الدنيا».

غير أن المتابع الدقيق لما يكتبه عارف يلحظ ما يمكن أن تصفه ببوادر تحول في فكره في قضايا مختلفة ، وبشكل خاص على صعيد الفلسفة التي يجب أن يكون عليها شكل النظام السياسي للدول وفي المقدمة من هذا الشكل مدى صواب الأخذ بصيغة الديمقراطية.

بدا ذلك في تأكيده في مقال له في معرض تناول الانتخابات الرئاسية في مصر على أن «الانتخابات ستحدث..... لأن مشايخ الديموقراطية سيصبون لعناتهم على مصر إن لم تقم بذبح الديك وإتمام حفلة الزار لإرضاء الأسياد، وإفساد السحر، وطرد الشياطين» مضيفا أن «الانتخابات في معظم دولنا هي طقوس دراويش، وحفلات زار، وممارسات غرائبية لا علاقة لها بالواقع الحياتي للناس».

ورغم صحة ما ذهب إليه عارف في معرض هذا التشبيه إلا أن ذلك لا يمثل في التحليل الأخير عيبًا في الديمقراطية بقدر ما هو عيب في ممارستها، الأمر الذي يتطلب تصحيحًا في هذه الممارسة والعمل على إنضاجها. وأسمح لنفسي هنا بالهبوط بمستوى الحوار لأشير إلى المثل التقليدي بأن السكين كما تستخدم في المطبح في العمل النافع فإنها يمكن أن تستخدم في القتل، دون أن يعني ذلك بأي حال أنها أداة سيئة في حد ذاتها!

وفي تعزيز لموقفه بشأن تراجع وضع الديمقراطية، يبدو عارف في مقال له بعنوان «الصين تختار الاقتصاد على الديمقراطية»، متفهمًا لذلك التطور الذي حدث هناك ويتيح للرئيس الحالى ونائبه اللذين ستنتهى ولايتهما فى عام 2022، البقاء فى الحكم مدى الحياة، ويحاول التأسيس النظري لتلك الفكرة من خلال الإشارة إلى إسهام سابق له بشأن تأثيرات العولمة على نظم الحكم.

دون الدخول في جدل ليس هنا مجاله، فإن العولمة مهما كانت تأثيراتها لن تقلل من مساحة وأهمية العلاقة بين النظام السياسي والمجتمع وإنما ستظل هذه العلاقة في القلب من هذه التطورات بغض النظر عن اتجاهات هذه العلاقة سواء أخذت تلك التي في الصين أو أخذت غيرها.

ولدواعي الاختصار أشير إلى أنه يمكن الإشارة إلى نماذج أربعة اتخذتها معادلة الاقتصاد والديمقراطية ومدى تأثيرهما على تقدم الدول.الأولى في الدول الغربية - المتقدمة - وتلازم فيها الأخذ بالديمقراطية مع الإدارة الكفء للاقتصاد، الثانية هي الدول النامية -المتخلفة - وغابت فيها الديمقراطية وتراجع فيها الاقتصاد. الثالثة ازدهرت فيها الديمقراطية وتراجع الاقتصاد كما في التجربة البرازيلية، والرابعة ازدهر فيها الاقتصاد وتراجعت الديمقراطية كما في التجربة الصينية. والنتيجة التي نخلص إليها أن هذين المثالين الأخيرين اللذين يمثلان شواذ للمعادلة، حيث جمعا بين التقدم وتوافر أحد المتغيرين فقط وليس اجتماعهما، لا يؤسسان للنتيجة التي ينتهي إليها عارف، مع الأخذ في الاعتبار أن رؤيتنا للديمقراطية تشمل تعريفًا واسعًا لا يقتصر فقط على تلك الإجراءات المتمثلة في الانتخابات وإنما هي كما نرى أسلوب حياة، ويمتد إلى مختلف جوانب العلاقة التي تربط سواء الفرد أو المجتمع بالنظام السياسي القائم.

لا يعني ذلك وجوب إقامة الديمقراطية صنمًا نتعبد له، وإنما نراها ممارسة تجاوزت إطار المفهوم وتعريفاته الضيقة، بغض النظر عن شكل هذه الممارسة والتسمية التي نطلقها عليها سواء كانت شورى في المنظور الإسلامي أو حكم الشعب في النظم الاشتراكية، وإنما المهم هو الجوهر الذي يحكم العلاقة بين النظام السياسي والشعب والذي يمكن تلخيصه في الحكم الرشيد. أما أن تكون التجربة الصينية على النحو الذي انتهت إليه مرشدا لنا بشأن ما يجب أن نسلكه فإن ذلك يبدو أنه قد يفتح في عالمنا العربي كوارث قد لا نعلم إلى أين تنتهي بنا، خاصة أن هذا الوضع قائم في بعض النظم بالفعل ولا شك أنه من الأسباب الرئيسية لتخلفنا! 

[email protected]