عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

كان للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عبارة – لازمة-  يكررها في حله وترحاله كلما زار بلدا عربيا أو إسلاميا أو التقى زعماء عربا أو مسلمين أو حتى في لقاءات عامة مع أفراد عاديين هي "سنصلي سويا في القدس شاء من شاء وأبى من أبى". كانت العبارة تلخص الحلم والأمل اللذين لازما عرفات منذ أن قرر بدء مسيرة النضال في الستينات وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. غير أن عرفات بكل أسف مات دون أن يحقق حلمه بالصلاة في القدس أو حتى بالقرب منها!!

وبعد نحو 15 عاما على رحيل عرفات، يبدو أننا ما زلنا نعيش الحلم العرفاتي ولكن بشكل آخر، فكثيرا ما ينتابني أنني وجيلي - ممن هم على عتبة الخمسين فما فوق- نتمنى إلى هذا النوع من الأحلام المجهضة أو غير المتحققة، ولكن على مستوى الوطن.

جسد لي هذا المعنى بشكل بالغ الروعة الكاتب الكبير الدكتور عمرو عبد السميع في مقاله بالأهرام 18 فبراير الماضي تحت عنوان "لماذا تتأخر مصر؟" والذي أشار فيه بمناسبة الإعلان عن بدء الإعداد لاطلاق خط "مونوريل" ينطلق من العاصمة الإدارية الجديدة إلى أنه يتذكر أنه قرأ لأول مرة عن فكرة إدخال" المونوريل" إلى مصر فى باب "أخبار الغد" بهذه الصحيفة، وهو الذى كان يحرره الأستاذ على أمين عام 1974، متساءلا عن سبب تأخر المشروع 44 عاما بالتمام والكمال. ونضيف أن الفترة قد تمتد باعتبار المشروع في طور الإعداد، ووقتها "قد" لا يتمكن جيل عمرو أو جيلنا نحن من رؤية المشروع على أرض الواقع.

بعيدا عن السؤال السرمدى لشكيب أرسلان الذي طرحه منذ أكثر من قرن بشأن "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم" والذي لم نفلح في تقديم إجابة له تجعلنا نتجاوزه، فإن حلم التقدم والرخاء كثيرا ما داعب خيالنا وعشنا في سراب تحقيقه الكثير من الأوقات، دون ان نمسك به أو حتى نعيش مرحلته العرفاتية، وهى الاقتراب من وهم تحقيقه!

على غرار الدكتور عمرو عبد السميع أذكر أنني في مرحلة الصبا – كنت وقتها 16 أو 17 عاما - عشت حلم الرخاء مع تصريح الرئيس الراحل السادات بان عام 1980 سيكون عام الرخاء ينتابني الخجل من أن أحكي لك عن نوعية وكم الأحلام الصبيانية التي كنا ننسجها في تصور ماهية هذا الرخاء! بعد 38 عاما من مرور الوعد بالرخاء ورحيل صاحبه – السادات – في العام الذي تلاه 1981، فإن الرخاء ما زال أملا وحلما يراودنا على غرار الحلم العرفاتي!.

لم يكن السادات وحده هو الذي جعلنا نعيش مثل هذا الحلم وإنما ثورة يوليو – وليست يونيو .. فهناك فرق- فقد عشمتنا بإقامة حياة ديمقراطية سليمة، وبعد نحو 66 عاما ما زلنا كمصريين وعرب ومسلمين نكافح من أجل هذه الحياة الديمقراطية! الغريب أننا ما زلنا نعيش حالة مماحكات بشأن وجوب تحقق هذه الحالة. فالبعض يحاجج بأن الشعوب العربية غير مهيئة للديمقراطية.. فيما يؤكد آخرون أننا أمامنا 25 سنة لكي ننضج ونستطيع أن نعيش حياة ديمقراطية. الأكثر غرابة أنه بعد خمس سنوات لن تشعر بأن الوقت يمر وسيخرج عليك آخرون غير الآخرين الأولين ويقررون بأن أمامنا ، ليس 25 سنة هذه المرة وإنما سيستخدمون المرادف ويقررون أننا أمامنا ربع قرن لاستيعاب الديمقراطية. حتى أنها قد تبدو لنا مثل السراب " يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا".

الأمثلة كثيرة وتنأى عن الحصر.. إليك مثلا حلم أن تركب سكك حديد آدمية تليق بآدمية الإنسان، إنه حلم ممتد وموغل في القدم .. وهو حلم يسير عكس التاريخ .. كلما تقدم التاريخ تأخر هو وازدادت الحالة سوءا. من منا لا يحلم بأن يغمض عينيه ويفتحها فيرى الشوارع نظيفة .. إنه حلم قديم يعود إلى إبراهيم باشا ابن محمد علي حين راح يحسد أوروبا على نظافتها، وبعد أكثر من قرنين ما زال الحلم كامنا والواقع يشدنا بعيدا عنه.

ربما يكون الحلم العرفاتي أقل وطأة، ففشله ارتبط بقوى إقليمية ودولية تحالفت على عدم تحقيقه، أما مشكلة حلمنا أن تحقيقه أو إفشاله بأيدينا بالأساس، وهو ما يجعلني أتصور أن عرفات ربما كان أفضل حالا منا رغم فشله في تحقيق حلمه!.

[email protected]