رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فى عصر عبدالناصر فتح الرجل أبواب جامعات مصر ليس للمصريين وحدهم ولكن لكل العرب أيضًا.. وإلى القاهرة جاء شباب عربى يقصد مصر أحد أعظم بلاد العالم فى نوعية التعليم وفى الاهتمام بالكتاب وفى ترجمة كل ما هو جديد فى عالم الكتاب والمعرفة فكان الكتاب الذى يقرؤه المواطن الانجليزى أو الفرنساوى تجده أيضًا فى متناول المواطن المصرى فى نفس التوقيت.. كانت مصر التى انفتحت على العالم منذ فجر التاريخ تتلاطم فيها الأفكار وتتجاذب وتتنافر دون أن تصنع تطرفًا أو صراعًا ينتهى بمدافع رشاشة جاء إليها شباب أصبح لهم أعظم شأن فى بلادهم جاء هوارى بومدين من الجزائر وكان ناصر بالنسبة إليه الملهم والنموذج الأمثل للزعيم العربى.. ومن القاهرة وازهرها الشريف تسلح هذا الفتى الحالم بالعلم وتشرب بالقومية العربية وحمل كل ذلك وذهب إلى الجزائر ليصبح أحد القادة التاريخيين فى جبهة التحرير الجزائريين وعاشت مصر فى قلبه وعقله ووجدانه لدرجة أنه ذهب إلى الاتحاد السوفيتى بعد نكسة يونيو 1967 وواجه الزعماء الثلاثة فى موسكو وصرح فيهم معاتبًا عن موقفهم الذى لم يمنع الكارثة ولم يحذر منها ثم القى أمامهم بشيك بمبلغ مائة مليون جنيه استرلينى لكى يعيدوا تسليح الجيش المصرى لكى يسترد العرب كرامتهم وكم كان عظيمًا هذا الرجل وشعبه الكبير العاشق لمصر عندما اشتركت وحدات من الجيش الجزائرى فى معركة التحرير فى عام 1973.ومنهم وحدات عسكرية من بلاد الغرب وأيضًا جاء إلى القاهرة عاصمة التحرر فى العالم أجمع فى الستينيات صدام حسين الرجل الذى بدا من خلال  التنظيم الحديدى لحزب البعث العربى الاشتراكى فرع العراق بأنه أخطر رجاله صاحب القدرة التنظيمية المعجزة والإرادة الحديدية المدهشة، جاء إلى قاهرة عبدالناصر صدام حسين والتحق بكلية الحقوق ومن خلال المد الثورى المتمثل فى ناصر استلهم الزعيم العراقى تجربة ناصر وفكره ومسلكه.. ولكنه طبقه بالطريقة التى تناسب أهل العراق وكانت القاهرة هى محط انظاره على الدوام وهى الملجأ والملاذ وهى أيضًا البلد الأوحد الذى زارة طوال 8 سنوات هى عمر الحرب العراقية الايرانية وحرص على أن يذهب إلى بيته فى منطقة الدقى ليسأل عن عم أحمد البواب الذى أدهش صدام حسين الطالب بفهمه البليغ فى السياسة ومعرفته ببلاد العرب وقادة العرب مع أنه أمى لا يقرأ ولا يكتب وحزن صدام عندما علم أن عم أحمد غادر إلى رحاب ربه منذ سنوات بعيدة وقرر منح أولاده مبلغًا من المال بالتأكيد سوف يرتاح عم احمد فى نومته العميقة بعد أن وصل هذا المبلغ ليغير حياة أبنائه.

ومن محاسن الصدف أن يكون هناك ومن منطقة الخليج العربى وبالتحديد من امارة شديدة الخصوصية فى موقعها وهى الشارقة جاء أيضًا الطالب سلطان القاسمى الذى اختار الناس البسيطة الطيبة ليكونوا هم دائرة معارفه فى المحروسة وفى الجامعة كان لشخص عادل إمام زميله فى الدراسة أن يجذبه وكان لثقافة صلاح السعدنى الموسوعية فى هذا العمر أن يلتفت انتباهه وكان لخف ظل زميله فى المدرج المنتصر بالله أن تجعله من المقربين إليه.. فى عهد ناصر الذى كفل حق التعليم للجميع مصريين وعربا انتظم الطالب سلطان القاسمى فى جامعة القاهرة بكلية الزراعة وأصبح حى الدقى بالنسبة إليه هو أجمل بقعة وقعت عليها عيناه وكلنا يعلم حكاية عم إبراهيم حارس العقار الذى رفض سكن الطالب لأنه غير متزوج ولكن الطالب استعطف عم إبراهيم وقال انا باحترم مخاوفك.. ولكن جربنى لو طلعت وحش أمشى على الفور ومع التجربة يشهد عم إبراهيم أنه لم يعرف أحدًا بهذا الزهد وذلك التواضع والعفة والمواظبة على الصلاة فى بيت الله ومع إبراهيم شخصيًا كان الطالب حريصًا على الاستماع إلى خطبة الجمعة فى المسجد الكبير المقابل لقسم الدقى وتشاء الاقدار أن يصبح الطالب بعد سنوات قليلة من التحرج هو حاكم امارة الشارقة وهى مهمة تجعل من يشغلها فى حالة انشغال دائم بأحوال الحكم والبناء والنهضة والرعية والاستثمار والعلاقات مع بقية دول العالم ولكن الشيخ سلطان وسط كل هذه المشاغل كان القلب يخفق كلما جال بخاطره تلك المنازل التى بالتأكيد لها فى القلب منازل فى حى الدقى فأمر أن تزين جدران قصره بعدد 15 صورة اختارها هو وحددها فى الدقى وهى الأماكن التى كان يمر بها كلما اتجه من منزله إلى الجامعة.. وكان كلما مر بهذه الصور الضخمة وهو ذاهب إلى مكتبه بالقصر.. يرفع يده إلى رأسه وكأنه يعظم للمكان.. سلام الله عليك يا مصر.. كان أقرب معاونى الشيخ سلطان وأكثرهم ثقة لديه هم هؤلاء البسطاء الطيبين الذين عرفهم خلال رحلة الحياة.. وظل الرجل على علاقته بالقاهرة لا تنقطع أبدًا أيا كانت مشاغله أو مشاكله. لدرجة أنه ذات يوم تعرض لازمة صحية صعبة استدعت تدخلاً جراحيًا خارج حدود الوطن وكانت المحروسة قد تعرضت لهزة لم تعرفها خلال تاريخها بأكمله عندما زلزلت مصر بعد 25 يناير ودخلنا النفق المظلم واحترقت وثائق عمرها مئات السنين.. أصر الشيخ على أن يرتفع على آلامه واتصل بالعزيزة منى الشاذلى واستجمع كل قواه لكى يسمع الناس صوته القادم من أعماق الآلم ويقول.. إنه يتكفل بإعادة المجمع العلمى إلى ما كان عليه ليس البناء فقط ولكنه نجح أيضًا فى جمع نسخ أصلية من كل بقاع الأرض واهداها إلى مصر لكى نستعيد مرة أخرى ذاكرة وطن ليس ملكًا لابنائه المصريين وحدهم ولكنه وطن العرب أجمعين إنه جمال عبدالناصر الذى جعل كل العرب يشعرون بالفعل أنهم أغنياء فيما ملكوا من أوطان.. أوطانهم الأصلية حيث المولد والمنشأ والحياة والموت ومصر الوطن الثانى الضامن للأمن والحافظ للعهد الحامى لكل حبة رمل فى الخريطة العربية.

لن أتحدث عما فعله الشيخ سلطان وتسلطت عليه الأضواء بما فيه الكفاية.. ولكننى أكتب عما رواه لى عم إبراهيم حارس العقار الذى عاش فيه الشيخ سلطان وأحب من خلال عم إبراهيم كل أهل الصعيد.. لقد حرص الشيخ سلطان على الذهاب إلى منطقة المعتمدية فى الجيزة وهى منطقة شديدة الصعوبة نظرًا لزحامها الشديد ووجود عشوائىات لا حدود لها بها.

يصعب معها تأمين شخصية بهذه الأهمية ومع ذلك أصر الشيخ على أن يذهب إلى هناك ويفتتح الجمعية الخيرية التى طلب منه أهل قرية المواساة البصيلية ولم ينفذ الشيخ الطلب هذا فقط.. ولكنه أمر ببناء خمسة أدوار تكلفت عدة ملايين من الجنيهات يحتوى هذا الصرح على عيادات للاسنان والأطفال والنساء ومركز للجراحة وذودها الشيخ سلطان بأحدث المعدات والأجهزة وأقام دار مناسبات ودارا للضيافة وأصر الشيخ على حضور أعضاء الجمعية والتى يرأسها العم إبراهيم والذى جلس إلى جانب الشيخ فتوجه عم إبراهيم بالشكر للشيخ على حسن صنيعه ولكن الشيخ قال له: بمناسبة الصنيع الطيب والجميل الذى لا ينسى احكى لنا انت قدام الناس كلها عن الخير الذى صنعته معى وأنا طالب هنا فى القاهرة. وبالفعل حكى عم إبراهيم حكاية الـ 300 جنيه التى قام بتسليمها للشيخ عندما أحس عم إبراهيم أن الشيخ مأزوم ماديًا.. وهى الواقعة التى حفظها الشيخ سلطان لعم إبراهيم وظل وفيًا للرجل يزوره فى بيته كلما جاء إلى القاهرة ويخصص له وقتًا بين مشاغله التى لا تنتهى هذه النماذج العظيمة للعرب الذين فتح لهم ناصر أبواب التعليم كانوا أفضل ألف مرة من بعض أبناء مصر الذين يتبجحون بأن سياسة التعليم المجانى نفذها ناصر بطريقة خاطئة.

رحمك الله يا أعظم حكام العرب وأكثرهم نفعًا لكل العرب