رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

قال لى صديقى المفكر الناصرى العتيد: رحل عبدالناصر ومازال اسمه مُدوياً. كلماته مرسومة على جزوع الشجر، ورنينها يتردد فى الآذان. فى أوقات الشدة يُستدعى كمُخلِص، وفى ساعات المحن يُسترجع كناصح. يعشقه الفقراء كنبى، ويحبه البُسطاء كولى. به يتغنى الشعراء وعلى دربه يمضى الباحثون عن الأمجاد. هو ظل اليتامى وحصن العرب ورمز الكرامة وبانى الصناعة ومُحرر الشعوب وقالب خرائط التاريخ، والمُهاب من الفرنج.

قُلت بهدوئى الذى أُحسد عليه: ذلك ما تفترضونه معشر المُحبين بغير سبب والتابعين بدون منطق. إن أجيالاً وراء أجيال خلعت الأقنعة ومحت الكذبة الأكبر فى تاريخنا الحديث، وحللت، ودرست، وقيّمت، وتدبرت، وبحثت، وانتهت إلى أنَّ الرجل كان مُجرد ميكرفون. لسان. صانع شعارات، وتاجر كلمات، شعبوى حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة البلاد. مُمثل يجيد بث الحماس، ونثر الطمأنينة. والنهاية مأساة يغرق فها الجميع، وهزيمة تصك عقول بنى الوطن عقوداً طويلة.

الذين غنوا الأسبوع الماضى احتفالاً بذكرى وفاة عبدالناصر يُدركون جيداً أن الرجل لم يُحقق سوى ارتداد حضاري وصل إلى حد إلغاء اسم مصر من التاريخ لعدة سنوات واستبداله بالجمهورية العربية المتحدة. أعدمت تجربة التعددية الحزبية تماماً وسيق الذين فكروا وكانت لهم آراء إلى الحبس زُمراً، وصودرت أملاك، وأذلت رقاب بدون حق، وأصبحت الدولة هى المنتج والتاجر ومانح الوظائف، فعمَّ الفساد المؤسسات العامة.

ماذا تبقى من عبدالناصر؟ أسأل إخوتى المتناصرين، وأصدقائى اليوليويين. هل هُناك غير الشعارات تمنحوننا إياهاً؟ هل هناك أفكار طموحة للتنمية؟ هل هناك تجارب بناءة فى مواجهة التطرف؟ هل هناك دروس تعتبر فى السياسة الخارجية؟ ماذا تعلمتم من حكمته وهو الذى كان ينفعل فيتخذ قرارات يدفع الملايين ثمنها موتاً وهواناً؟ ما عرفتم من عدله وهو الذى وضع كُل المُسيسين فى العروسة ليهتفوا بحياته.

لم يبق من عبدالناصر سوى «فتحة الصدر» والحناجر الزاعقة، وأفكار المؤامرات الكونية المحاكة ضد وطننا ليل نهار. لم يبق إلا الوجع والقهر والرعشة أمام الكبار وتملق أصحاب النفوذ والسلبية الطاغية فى الرأى والفعل والرغبة فى التغيير. لم يبق سوى كسل العامل، والركون إلى الدِعة، والخوف من الابتكار والتجديد.

قال لى صديقى: رغم كُل شيء مازال الرجل حاضراً. قلت: إن هتلر سيبقى حاضراً حتى يرث الله الأرض ومن عليها. سيبقى اسم صدام مُخلداً مثلما بقى الحجاج الثقفى، مثلما بقى نيرون، وكافة المستبدين ومجانين العظمة.

سيقول البعض: دعه لربه. مات ومضى عهده، ولنا الآن وقائع وأزمات ومواقف تحتاج همتنا ومحاوراتنا، وأفكارنا.

لكنى أرى أنّ التاريخ يكرر نفسه تماماً دون أن نتعلّم أو نعى أو نعتبر، لذا فإنَّ نظرتنا إلى الخلف ضرورة، قبل أن نولى وجوهنا إلى الأمام. فالبناء يحتاج حكمة، والتقدم يتطلب استذكاراً لما مضى، والتنمية تستلزم أفعالاً لا أقوالاً. والله أعلم.

[email protected]