رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

صيف لندن قبل ثلاثين عاماً.. رصاصة صباحية غادرة انطلقت من مُسدس كاتم للصوت لتستقر فى عُنق رسام عنيد يعلم أن كُل رسمة إنذار بالموت.

ناجى العلى قتيل، راحل، مرحوم. تتناقل وكالات الأنباء الخبر ليرتاح المتألمون من رسومه الكاريكاتورية الساخرة، والآن بعد ثلاثة عقود من الاغتيال يُقرر القضاء البريطانى إعادة فتح التحقيق فى الجريمة مناشداً أصحاب الضمائر الحية أن تستفيق.

يرسم الشاعر عبدالرحمن الإبنودى وجعه فى مقتل رسام الكاريكاتير بقصيدة رائعة يقول فيها: «يامايا وانتى بترحى بالرحى / على مشارف ضُحى / وبتبكى وتعددى / على كل حاجة حلوة مفقودة. / ماتسنيش يامه فى عدودة / عدودة من أجمل خيوط سودا فى توب الحزن. / لا تولولى فيها ولا تهللى. / وحُطى فيها اسم واحد مات. / كان صاحبى يامه واسمه ناجى العلى».

تتكرر المكلمة حول القاتل المجهول. ويعود أصدقاء الرسام الجرىء ليفتحوا الخزائن المقفلة، ويفتشوا الأسرار المدفونة. يخرج عالم الاجتماع باسم سرحان أحد الأصدقاء المقربين من ناجى العلى ليقول للناس إن ناجى العلى أبلغه أمانة ليقولها للجميع إنه أياً كان قاتله، فقاتله هو ياسر عرفات. قال إنه تلقى تهديدات مباشرة من مسئولين فى جهاز الأمن التابع لعرفات بأنه إن لم يتوقف عن رسوماته الساخرة سيُقتل. قال أيضاً إن ناجى أبلغه أن أبو إياد اتصل به وقال له: لقد صدر القرار بقتلك. اخرج فوراً من بريطانيا.

لِم يقتل الثوار الثوار؟ وكيف يتحول المظاليم إلى ظلمة؟ كانت رسومات ناجى كوخز الإبر تلسع جبين الكبرياء الثورى، وتستهزئ بمقاتلين كذبة وأبطال وهميين، وتتجاوز الخطوط الحمراء وحدود الأدب عندما ترسم رسومات لسيدة ذكرت الشائعات أنها عشيقة عرفات. قالوا له إنج برسمة جميلة تُمجّد فيها الختيار لكنَّه أبى مكرراً أن الفلسطينى الحق هو مَن يُصلب كالرماح ولا يتراجع. قال لهم إنَّ مَن يكتب أو يرسم عن فلسطين بصدق عليه أن يعتبر نفسه ميت.

يفضح المؤرخ الفلسطينى عبدالقادر ياسين صمت الأنظمة وسكوت عشاق فلسطين على قنص المبدع الثورى الذى لم يحتمل ياسر عرفات نقد إبداعه. إنه يتهم عرفات بشكل مباشر بأنه من أصدر قرار تصفيته، وهو مَن طلب من الكويت من قبل إسكاته بأى ثمن، فخرج منها إلى لندن مدينة الضباب والموت، لكنَّه ظل ساخراً ورافضاً للذين حولوا الثورات إلى ثروات على حساب فلسطين.

يكتب عبدالرحمن الراشد فى ذكراه أن الإعلام العربى تخلص من الحرج فاستسهل اتهام إسرائيل، لكن ما تبين هو أن الإسرائيليين كانوا على علم بالعملية قبل وقوعها لكنهم تركوا المجرم يرتكب جريمته رضاءً بتصفية أعدائها بعضهم البعض غيلة وغدرا. ويرى سمير عطا الله أنَّ ناجى العلى انتحر لأنه لم يخضع ولم يقبل بما يمليه عرفات وجهاز أمنه. يقول «عطا الله» ساخراً: الجانى هو القتيل، وناجى العلى ريشة عبقرية لا تطاق وفلسطينى وقح لا يهاب ولا يسترضى. الحل هو رصاصة فلسطينية وبعدها يغلق الملف بلا تحقيق، فإرضاء القاتل أهم من إرضاء القتيل.

والله دائماً أعلم.

[email protected]