رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

رحل عن دنيانا منذ أيام بلا ضجة أو ضجيج المرحوم المستشار عبد البارى شكرى نائب رئيس مجلس الدولة السابق، رحل أحد المجموعة الشمسية لسدنة العدالة التاريخيين، وقد شرفت بالعمل معه بمحكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية كمفوض للدولة أمام المحكمة فى نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات من القرن الماضى.

وقد كانت أحكامه غرسًا طيبًا لإحقاق الحق للمواطنين الذين يلوذون بالقضاء لينصفهم من ظلم وعسف الإدارات، كما كانت تلك الأحكام تبعث الدفء فى النفوس بل والحياة والأمل لغد مشرق، وقد رأيته إنسانًا بكل معانى الكلمة وسخر علمه لصالح العدل، وكان مثالاً محصنًا منيعًا ضد كل طغيان، كما كان يحيط نفسه بتواضع العلماء وصاحب مدرسة فريدة تقوم على تحقيق العدالة قبل النصوص والقدرة على الإبداع والخلق الجديد الذى يزدان بطبيعته القضاء الإدارى بحسبانه قضاءً إنشائيًا من نتاج الفكر الخالص للقاضى الإدارى وقد تولى المرحوم المستشار عبد البارى شكرى رئاسة المحكمة الإدارية العليا فى بداية القرن الحادى والعشرين وأرسى العديد من المبادئ التى جعلت الأمل والنور لا ينقطع طالما ظل فى الوجود عدلاً وإنصافًا خاصة لخريجى كليات الحقوق المتفوقين وأعلى من شأن المبادئ الدستورية وظل سيفًا بتارًا يعلى من شأن النبوغ العلمى كشرط للالتحاق بكافة الهيئات القضائية وما زالت حيثياته التاريخية تقفز فى أذهان تلاميذه فيقول فى أحد أحكامه رفعًا لشأن العلم «إذا كانت الصفات والقدرات الخاصة هى التى تؤهل المرشح لممارسة العمل القضائى إلا أنه يجب ألا يتم إغفال الكفاءة العلمية التى تنهض بمرفق القضاء وتعينه على تحقيق العدالة المنشودة».

وها أنا أستاذى الراحل اُقدم لروحك الطاهرة شهادة وفاء من تلميذ يعرف قدرك العظيم، فأنت لست ظاهرة طارئة فى المجتمع القضائى وتختفى لكنك ظاهرة راسخة نذكرها ونحتفى، فقد تعلمنا منك العلم والأدب والأخلاق، تعلمنا منك أن الرئيس القوى هو الذى يقوى بمرؤسيه الأقوياء من ذوى العلم والموهبة وأن الرئيس الضعيف هو الذى يضعف بمرؤسيه الضعفاء، الذين يقعون على شاكلتين الأولى صنف يفكر دون تنفيذ، وصنف ينفذ دون تفكير، تعلمنا من مدرستك أن الأستاذ العالم هو من يستجمع معه أهل العلم والفقه والبأس ليرتقى بهم بعيدًا عن مدبرى الحرائق والدسائس من سمات العالم الثالث، تعلمنا منك أن من لم يترك له تلاميذاً وأحفاداً لا يمكن أن يكون أستاذًا فى يوم ما، وسيكون بعد وقت قصير من الزمن نسيًا منسيًا وأن من يعلم الأجيال من تلاميذ ذوى القدرات سيضحى بهم فى سجل التاريخ قولاً ملياً، تعلمنا منك أنه فى ظل العواصف قد لا تستطيع التحكم فى توجيه الرياح لكنك تستطيع وبإتقان التحكم فى شراعك ليظل متزنًا يسير بك فى وسط الرياح.

وأقول لروحك الطاهرة التى أثرت أرواحنا وخالطت أنفاسنا وسعدت قلوبنا وقد فارقتنا دون وداع مستودعة فينا كل فكر وعلم «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى» صدق الله العلى العظيم، أقول لروحك المطمئنة إن الذين ولدوا وتربوا فى أحضان العواصف لا يخافون من هبوب الرياح، وأن قمة الثقة أن تصمت عندما لا يقدر الآخرون مواهبك وقدراتك وإبداعاتك فأنت تعلم من أنت ومن هم، رحم الله أستاذنا عبد البارى شكرى واسكنه فسيح جناته، فأحسن الكلام ما صدق فيه قائله، وانتفع به قارئه، وسعد به سامعه.

نائب رئيس مجلس الدولة