رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

الثورة ثورة حال نجاحها، وانقلاب فاشل وتمرد إن فشلت، قائد الثورة بطل إن وصل إلى الحُكم وخائن وعميل إن كُشف أمره، يُقدمه التاريخ كمُنقذ ومُخلّص وواحد من العباقرة العظماء إن صار رئيساً، ويصِمُه الناس بُكل نقيصة إن قُتلت حركته وسقط تنظيمه.

فكروا معى ماذا كان يُمكن أن يحدُث فى 23 يوليو 1952 لو سقط تنظيم الضباط الأحرار فى قبضة البوليس السياسى قبل التحرك؟.. هل كان لمصر أن تشهد ذلك التوجه الشرقى الموغل فى المركزية؟.. هل كان من الممكن تجنُب خوض حروب ومغامرات عسكرية غير مدروسة وتوفير ثروات مصر لبناء نهضتها؟.. وماذا يعنى لو استمر القطاع الخاص المصرى والرأسمالية القائمة فى التمدد والتطور والانفتاح دون تأميمات أو فرض حراسة أو مصادرة؟.. ماذا يعنى لو ظل تواصل مصر وانفتاحها الثقافى على دول أوروبا الغربية وحوض المتوسط بدلاً من ثقافة النفط والبدونة المتسربة عبر الانفتاح الدائم على بلاد الخليج؟

تخيلوا قوة مصر، ومكانتها لو أنها احتفظت بتجربة التعددية الحزبية التى كانت قائمة مُنذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادى، ماذا لو ظلت حركة الترجمة كما هى، والانفتاح على العالم بنفس قدره، وحرية إنشاء الأحزاب والشركات والصُحف كما كانت؟

ماذا لو لم تحتكر الدولة الإنتاج والتسويق وتلتزم بتوظيف الجميع؟.. مَن يعلم ومَن لا يعلم، المُجتهد والكسول، المُتفانى والطُفيلى؟

ماذا لو لم يتم ترحيل الجاليات الأجنبية من مصر؟.. لو لم يتم تهجير اليهود والتضييق عليهم؟.. ألم يكُن لهؤلاء مزايا وفوائد فى المجتمع؟.. ألم يُعلمنا اليونانيون فنون التميز فى البقالة والمطاعم؟.. ألم يضع اليهود الأسس الأولى التى قامت عليها بنوك مصر؟.. ألم ينقل الطليان الموضة وأذواق الأزياء إلينا؟.. ألم يضع البلجيكيون قواعد مهنة الفندقة فى بلادنا؟.. ألم نستفد من الفرنسيين كثيراً فى مجال الآثار ودراسات مصر القديمة؟

اسرحوا بهدوء فى التطور الطبيعى لدولة رائدة، قائدة تتمتع بموقع متميز، وتضم خلاصة ثقافات وأفكار وأجيال متنوعة.

لا حرب فى اليمن، لا عدوان ثلاثى، لا وحدة غير مدروسة مع سوريا وتغيير لاسم مصر، ولا قوات عسكرية تسافر إلى الكونغو، ولا إعلان حرب حنجورية على إسرائيل تقود إلى غياب سيناء ست سنوات، ولا عداء متواصل مع الجيران العرب تحت لافتة مواجهة الرجعية.

فى ليلة 23 يوليو سنة 1952 قرر الضباط الأحرار الاستيلاء على حُكم مصر، وأعلنوا أن الحركة قامت للقضاء على الفساد وأعوانه، وشاء القدر أن تعرف مصر على أياديهم فساداً لا حدود له، حتى صارت مضرب الأمثال فى الرشوة الحكومية والبيروقراطية.

ألغت الثورة لقب الباشا، لكنها صنعت بتعبير الدكتور حسين مؤنس باشاوات وسوبر باشاوات جدد، لكنهم كانوا أكثر شراهة وأشد قسوة، وأعتى فساداً من باشاوات العهد الملكى.

تلك خواطر كاتب يقرأ التاريخ مُتعلماً، ويسرح به خياله ليقرأ ما لم يحدث لو فشلت 23 يوليو.. والله أعلم.

[email protected]