رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

أتابع تسونامى الإعلانات التى دمرت تمامًا الأعمال الدرامية التى قدمتها شاشات التليفزيون والذى أصاب الاغلبية الساحقة من المشاهدين بالسخط والقرف. وطوال مشاهدتى هذه يلح على دائمًا المثل الشعبى الذى يقول: «رزق الهبل ع المجانين» باعتباره المثل الذى يعبر بصدق ودقة عن هذه الحالة العبثية التى اجتاحت جميع شاشات التليفزيونات فى مصر.

ولتفسير هذا الارتباط بين هذه المهزلة وبين المثل الشعبى أقول:ـ

أولاً: كلمة الهبل (بكسر الهاء وسكون النون) تعنى فقدان القدرة على الحكم الصائب على الأشياء والتصرف فى الأمور بمزيج من الجهل والغباء وهى حالة تسبق حالة الجنون بدرجات قليلة. أما المجانين فهم اشخاص فقدوا تمامًا القدرة العقلية فجاءت سلوكياتهم فى الحياة عبثية ومنفلتة وشاذة.

ثانيًا: الهبل بهذا المعنى هم المسئولون عن اتخاذ القرار فى القنوات التليفزيونية، والذين تصوروا نتيجة لهذا الهبل (بفتح الهاء وفتح الباء) تصورًا أن هذا الطوفان من الإعلانات يمثل نجاحًا للقناة، والحقيقة أن هذا الكم من الإعلانات يحقق ارباحًا ودخلاً ماديًا هائلاً للقناة، لكنه يسلب القناة أية قدرة على «التأثير» فى جماهير المشاهدين، هذا «التأثر» الذى هو الهدف الحقيقى لأى نشاط إعلامى.

ثالثًا: مسئولو القنوات المستسلمون لمنطق «الربح» المادى بالرضوخ لشروط ومنطق وكالات الإعلان يؤكدون بتصرفهم أنهم لا يدركون المسئولية المهنية التى يجب أن يتحملها بأمانة من جلس فى موقع القيادة بأى وسيلة إعلامية، وباستسلامهم لمنطق وكالات الإعلان يفقدون تمامًا أهليتهم لتولى قيادة مؤسسة إعلامية.

رابعًا: أما المجانين فهم أصحاب المنتجات التى تحشد عشرات الإعلانات التى تتكرر بطريقة مملة ومستفزة وتقطع أوصال الأعمال الدرامية، من يتصور من هؤلاء المنتجين أن الإلحاح المزعج والفج بالإعلان عن منتجاتهم سوف يقنع المشاهدين للإقبال على هذه المنتجات، هذا التصور الساذج جعل هؤلاء ينخدعون بدعاوى مندوبى الإعلانات.

والحقيقة أن هذا الإلحاح الفج والمبالغ فيه يحدث فى نفوس المشاهدين أثرًا عكسيًا تمامًا، خاصة عندما يمزق هذا السيل من الإعلانات تسلسل الأحداث الدرامية، ومع تصاعد الضيق والملل من تكرار سخيف يتخذ المشاهد موقفًا من هذه المنتجات وينعكس شعوره بالسخط والملل على موقفه من هذه المنتجات فلا يقبل عليها بل ربما كره أن يتعامل معها.

خامسًا: غالبًا ما يشعر المشاهد بأن هذا الإلحاح بتكرار الإعلان يعنى أن هذا المنتج ليس بالجودة المطلوبة وأن هذا الاعتماد المبالغ فيه على الإعلان هدفه الترويج لسلعة معيبة يريد المعلن أن يعوض عيوبها بكثرة الإعلانات.

سادسًا: يدرك المشاهد أن الإنفاق المبالغ فيه على هذه الإعلانات سوف يتم اضافة تكاليفه إلى سعر السلعة وأن السلعة لا تستحق الثمن الذى يتم عرضها به، لأن هذا الثمن اضيفت إليه نسبة كبيرة تمثل تكلفة الإسراف المستفز فى الاعلانات.

لهذا كله ولتفاصيل أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها رأيت أن موجات الإعلان التى دمرت المنتج الإعلامى والفنى الذى تعرضه شاشات التليفزيون هو التجسيد العملى للمثل الشعبى الذى يقول «رزق الهبل ع المجانين».