رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

أثناء عودتى للمنزل ليلاً، وجدت «مربع خشبى - كشك» يكاد لا يرى على جانب الطريق، وهو ليس كشكاً بالمعنى المعروف، بل هو مربع لا يزيد عن المتر المربع، يقف فيه شاب حسن المظهر، يقوم بإعداد أكواب القهوة على السبرتاية.

وقد داهمنى هذا المكعب الخشبى الصغير والممتلئ بثقل الماضى حيث السبرتاية، وبقوة الحلم حيث الشاب – عبدالرحمن – الذى يقف فيه، وببهجة الحاضر، حيث إنه حاصل على مؤهل عال – فهو مهندس ديكور، وقد جاءته تلك الفكرة البسيطة، دون أن يسبب أى إزعاج لسكان الحى الهادى الراقى – بمدينة الشيخ زايد، وبعيداً عن جلسة المقاهى الممتلئة بالإزعاج والثرثرة وأصوات قواشيط الطاولة ورمى الزهر وإزعاج التليفزيون، بل هو يقوم بإعداد القهوة على السبرتاية، لبعض الزبائن المارين، فى هدوء جدتى التى كانت تجلس على الكنبة مستمتعة بهذا الطقس فى إعداد القهوة فى وقت الغروب، مع نشر البهجة وبداية الحكايات، وهو الطقس الذى حققته «سبرتاية» عبدالرحمن.

فهناك، وحول هذا المربع الصغير والذى لا يكاد يرى، والذى أصبح مثل ضوء الشمعة وسط جبال الكحل المظلمة، يقف الشاب عبدالرحمن وحوله الكثير من الشباب والفتيات، البعض يجلس على الرصيف والبعض فى سياراتهم والآخرون يقفون، يدردشون ويتبادلون الحديث، دون أى ضجة ودون أى إسفاف، فكل مجموعة أو فرد يقف فى حاله أو فى عالمه.

والغريب أن عبدالرحمن قد كسر القاعدة التى ظلت مرتبطة بكثير من الشباب المصرى، خاصة العمل بالمؤهل، فيبدو لى أنه يعمل صباحاً فى أحد الشركات، وليلاً يستثمر وقته فى مشروعه المبهج «السبرتاية»، ودون أن يكون غاضباً مما يحدث له أو لمؤهله أو لحياته، فهو يفعل ما يحلو له، والأهم من كل ذلك الحب الذى يغلف – المربع الخشبى - الذى يحتضن السبرتاية وأدواتها، والتى يقوم عبدالرحمن بإعدادها بنفسه، مصحوبة بابتسامة شاب مصرى، فهم ووعى ما يدور حوله، وبالتالى لم يجلس يلعن الحكومة أو يكره البلد أو يسب الظروف المحيطة، بل هو – كما يبدو لى – يطوع ما يحدث حوله لصالحه، دون أن يغضب ودون أن يقوم بتفجير نفسه مثلاً، لاعناً هذا الزمان وتلك الأيام.

هذا ليس إعلانا عن سبرتاية عبدالرحمن، بل هى شمعة واهنة جميلة مبهجة فى ظلام تلك الأيام، وكوب قهوة مصنوع على سبرتاية هذا الوطن الذى يستطيع كل فترة أن يقدم لك نموذجاً من شبابه نفرح به ونرحب به، مهما كانت الظروف المحيطة.

دعونى أفتخر وأحسد نفسى أننى التقيت هذا الشاب الجميل – عبدالرحمن – وأننى شربت فنجان قهوة من سبرتايته الهادئة التى ذكرتنى بكل الأيام الجميلة والعظيمة لهذا الوطن القديم.