رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

مع بداية شهر نوفمبر 1918، تتوالى الاجتماعات والمشاورات بين كافة الرموز الوطنية لاختيار الوفد الذى سيفاوض الإنجليز ويلتقى المعتمد البريطانى السير ونجت فى هذا الخصوص، واستقر الرأى على اختيار كل من «سعد زغلول باشا وعلى شعراوى باشا وعبدالعزيز فهمى بك» لإتمام تلك المهمة، وتقدم ثلاثتهم فى يوم 11 نوفمبر لمقر الحامية البريطانية بطلب لتحديد موعد لمقابلة السير ونجت، والذى وافق بسرعة لم تكن متوقعة وحدد الحادى عشر من صباح يوم 13 نوفمبر كموعد مؤكد لإجراء هذه المقابلة والتى كانت – من وجهة نظرى – بمثابة النقطة الفاصلة بين ما يريده المحتل وما يتطلع إليه المصريون، بين مصر المجبرة على القبول بالوصاية البريطانية ومصر الساعية لنيل حريتها واستقلالها.

وصل الثلاثة فى الوقت المقرر للمقابلة وأُذِنَ لهم بالدخول، حيث بدت أجواء اللقاء مريحة لأول وهلة، كما بدا ونجت ناعماً مرحاً، إذ استهل حديثه مبدياً مرونة ظاهرة واستعداداً لقبول مطالبهم لكن حسب قوله: «عندما يحين الوقت المناسب، خاصة أن العالم لم يفق بعد من قسوة حرب خاض غمارها مدة تجاوزت الأربع سنوات كانت مصر خلالها أقل الدول خسارة على المستويين المادى والعسكرى، ومع كل ذلك ففى انتظار مصر خير كثير وإن الله مع الصابرين»، لم يصبر سعد حتى ينهى السير ونجت كلامه فقاطعه قائلاً: «إن الحرب كانت كحريق ثم انطفأ ولم يبق إلا تنظيف آثاره ولا معنى إطلاقاً لاستمرار الأحكام العرفية أو مراقبة الجرائد والمطبوعات فكفى كل مصرى ما عناه من قيود الحرب، فهل يصح أن تستمر هذه القيود بعد أن خرجت بريطانيا منتصرة فى النهاية؟»، أبدى السير ونجت استحساناً لما سمع ثم تابع قائلاً: «إننى أتفق معك فى ضرورة إزالة كل أشكال المراقبة فالحرية حق للجميع وقد قمت مؤخراً بالاتصال بالقائد العام للجيوش البريطانية (وطسون) فى هذا الصدد وبالسلطات فى لندن وعلى رأسها (لويد جورج) رئيس حكومة صاحب الجلالة وآمل أن يأتينى الرد على النحو الذى يرضينى ويثلج صدور المصريين، والذى يجب أن تعرفوه أنه منذ فرغت إنجلترا من الحرب ووقعت الهدنة مع أعدائها فإنها تنوى بجدية الالتفات إلى مصر ومشكلاتها واحتياجاتها العاجلة والآجلة فأرجوكم الصبر ثم الصبر فالخير قادم لا محالة».

رد سعد بمنتهى الهدوء: «أنتم تعلمون أن قلق المصريين مشروع ولا مانع من أن تعرفنى على الخير المنتظر حتى أعرف الناس به»، فرد ونجت: « يجب ألا تتعجلوا، وأن تكونوا متبصرين فى سلوككم، إن مشكلاتكم دائماً عدم نظركم للعواقب البعيدة»، فقال سعد باشا: «إن عبارتكم مبهمة وغير مفهومة وتحتاج لتفسير»، فقاطعه السير متظاهراً بالابتسام: «أقصد القول بأن المصريين ليس لهم رأى عام بعيد النظر»، فبادره سعد وكأنه محتج على ما يُقال: «وأنا لا أوافقك ففى موافقتى على ما قلته إنكار لصفتى فإننى منتخب فى الجمعية التشريعية عن قسمين من أقسام القاهرة وكان انتخابى بمحض إرادة الرأى العام رغم معارضة الحكومة واللورد (كتشنر) لمسألة انتخابى، وكذلك كان الأمر بالنسبة لزميلى على شعراوى باشا وعبدالعزيز بك فهمى»، قال السير: «قبل الحرب تعلم أن محمد فريد وغيره من أعضاء الحزب الوطنى كتبوا الكثير وقاموا بتحركات كثيرة لتشويه صورة إنجلترا بلا تعقل أو رؤية فأضرت تلك التصرفات مصر ولم تنفعها، فما هى أغراض المصريين إذن؟! »، أجاب على شعراوى: «إننا نريد أن نكون أصدقاء للإنجليز صداقة الحر للحر لا العبد للحر»، فقاطعه ونجت: «إذن، أنتم تريدون الاستقلال؟! ».

فقال سعد متحمساً: «ونحن له أهل وما الذى ينقصنا كى نستقل مثل غيرنا من الأمم الحرة؟!»، يبدو أن كلام سعد لم يلقَ قبولاً لدى السير ونجت لذلك رد عليه وكأنه يوبخه ويحذره: «لكن الطفل إذا أُعطى من الغذاء أزيد مما يلزمه أصابته التخمة»، فقال عبدالعزيز بك فهمى: «نحن نطلب الاستقلال التام وقد ذكرتم جنابكم أن الحزب الوطنى قد أتى من الحركات والكتابات بما أضر ولم يِفد، وأنا أقول لجنابكم إن الحزب الوطنى - فيما قال وفعل - لم يكن يطلب إلا الاستقلال وكل بلد محتل من حقه أن يطلب الاستقلال، وغاية الأمر ربما كانت فى أن طريقة الطلب التى سار عليها الحزب الوطنى كان فيها ما يؤخذ عليهم وذلك مرجعه للطبيعة الشبابية المهيمنة على قيادات الحزب والتى لا تعترف سوى بالتحمس فى عرض المطالب، لكنها فيما ذهب إليه أبناء ذلك الحزب لا يختلفون فى العموم عما ذهب إليه حزب الأمة والمعروف باعتداله، لكن يبقى أن هدف الحزبين بل معظم الأحزاب المصرية هو الاستقلال التام سواء كان قبل الحرب العالمية أو بعدها، أما من جهة تشبيهنا بطفل سيتخم إذا غُذَّيَ بأزيد من اللازم فاسمحوا لى القول بأن حالنا لا ينطبق عليه هذا الشكل وذلك الوصف، بل الواقع أننا كالمريض الذى لا يستطيع أطباء الدنيا معالجته مثلما نستطيع نحن، لأن المصرى وحده هو الذى بإمكانه الشعور بما ينقصه وما يريده وما يشغله فى شتى مناحى الحياة، فالاستقلال التام هو الشىء الوحيد الضرورى من أجل أن نرقى ونتجاوز تلك المرحلة الصعبة.