رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

لكن من هو صاحب فكرة تأليف الوفد؟

 

اختلف الباحثون فيما بينهم حول التحديد الدقيق لصاحب الفكرة، فاعتبر البعض أن محمد محمود باشا هو أول من فكر فيها، واستدل الدكتور محمد فريد حشيش على ذلك بما أورده عبدالعزيز فهمي بك في مذكراته عندما كان خارجاً هو ولطفي السيد وسعد زغلول باشا ومحمد محمود باشا من مجلس إدارة الجامعة المصرية القديمة، ولما جاوزوا بابها واتجهوا نحو ميدان «الفلكي» وقف محمد محمود باشا ووضع عصاه أمام أصحابه بعرض الرصيف، وقال لهم إلى أين تذهبون؟ إنني أريد أن أتحدث في مصير مصر، فقد انتهت الحرب وستحصل الهدنة، ولا بد من النظر في تأليف وفد يسافر إلى الخارج من أجل المطالبة بحقوق البلاد، فأبديت أنا ولطفي السيد استحساننا للفكرة، بينما اكتفى سعد باشا بالصمت، ثم علمنا أنه توجه بعد ذلك إلى «نادي محمد علي» كعادته وهناك التقى حسين رشدي وعدلي يَكَن وعرض عليهما ما كان من محمد محمود وعبّر لهما كذلك عن عدم رضاه عن فكرته، إلا أن رشدي باشا وعدلي باشا عاتباه على عدم اهتمامه وترحيبه بالفكرة بل وخطئه في رأيه وقالا له: أنت أخطأت فنحن والسلطان فؤاد متفقون على السفر إلى أوروبا للمطالبة بحقوق مصر ومن المصلحة أن يكون إلى جانبنا فريق يدافع عن حقوقها ويمكن الاعتماد عليه في أخذ أي شيء منهم، ويبدو أنه عندما سمع سعد باشا هذا الحديث من رشدي وعدلي، خشي ألا يكون له في الأمر شيء، لذلك أسرع إلى دعوتنا للاجتماع في منزله أكثر من مرة بشأن تشكيل الوفد المصري، كما ذهب البعض إلى أن فكرة تأليف الوفد ولدت أولاً في رأس الأمير عمر طوسون استنادًا إلى ما كتبه الأمير نفسه في جريدة «صوت الأمة» عام 1948 ومما جاء فيها: (كانت فكرة إنشاء وفد مصري للمطالبة بحقوق البلاد في مؤتمر الصلح قد خطرت ببالنا بعدما صرح الدكتور ويلسون، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بمبادئه المشهورة في 8 يناير عام 1918، تلك المبادئ التي تمنح الحق لكل أمة– صغرت أم كبرت-  في تقرير مصيرها، ولما كانت مسألة مصر مسألة دولية وليس لدولة سواها أن تنفرد بالنظر فيها، فإن مثل هذه المسألة المهمة تحتاج لدرس وتمحيص قبل اجتماع المؤتمر حتى لا يأتي يوم الانعقاد إلا ونحن جميعاً مستعدون للمطالبة بحقوق بلادنا كاملة ولا يضيع علينا الوقت سدى، وقد دفعنا ذلك للتكلم مع المرحوم محمد سعيد باشا بشأنها واقترح علينا أن نتكلم فيها مع المرحوم سعد زغلول باشا بحكم شخصيته البارزة في الهيئة الاجتماعية وفي الجمعية التشريعية، فاستصوبنا هذا الأمر بل وصممنا عليه، لكن لم تمكنا المقادير من مقابلة سعد باشا إلا في الحفلة التي أقامها المرحوم رشدي باشا في ليلة 9 أكتوبر 1918 بكازينو «سان ستيفانو» احتفالاً بعيد جلوس المغفور له الملك فؤاد الأول وذلك قبل الهدنة والصلح، لأن نهاية الحرب كانت قد أوشكت على الانتهاء وأنه يحسن بمصر أن تفكر في إرسال وفد للمطالبة بحقوقها، وقد وعدنا سعد باشا بدراسة الفكرة والتحدث مع أصدقائه في شأنها عند عودته للقاهرة ثم يخبرنا بالنتيجة، وقد روى سعد زغلول في مذكراته ما يؤكد مصداقية عمر طوسون فيما ذهب إليه، فقد كتب سعد باشا بتاريخ 12 أكتوبر عام 1918: (ذهبت إلى الإسكندرية للمعايدة وحضور وليمة رشدي باشا التي أقامها احتفالاً بجلوس عظمة السلطان فؤاد باشا على أريكة مصر، وهناك قابلني البرنس عمر طوسون وقال لي: إني أفكر في أن تقوم من المصريين طائفة للمطالبة بحقوق مصر في مؤتمر الصلح، فقلت: إنها فكرة جميلة قامت في بعض الرؤوس من قبل، وقد آن أوان تنفيذها، فرد البرنس عمر عليّ، قائلاً: إذن تأمل فيها وساعد عليها، ثم انصرف كل منا لحاله) وبهذا اتفقت كلمة طوسون وسعد باشا على تشكيل الوفد وهي المسألة الوحيدة التي اتفقا عليها– بحسب الدكتور عبدالعظيم رمضان في كتابه تطور الوحدة الوطنية– لكن سرعان ما دب الخلاف بينهما، خاصة أن سعد باشا لا يريد الأمير في الواجهة لأنه يتطلع لمفاوضة الإنجليز لا لمعاداتهم وكان «طوسون» معروفاً بدعمه ومساندته لتركيا وكان أثناء الحرب الإيطالية التركية في طرابلس يقوم ومعه بعض الكبراء والأعيان بجمع التبرعات لمساعدة تركيا ويشترون لها المؤن والأسلحة، كما أن أصحاب سعد باشا ومعهم حسين رشدي باشا يعملون على إبعاد «طوسون» عن رئاسة الوفد، لأنهم كانوا يريدونها حركة شعب لا إمارة وحركة استقلال لا خلافة، وهناك من رأى أن سعد زغلول باشا هو صاحب الفكرة فقد دعا إلى اجتماع بخصوصها بمسجد «وصيف» وذلك في سبتمبر 1918 وقبل دعوته أحمد لطفي السيد ومحمد محمود وعبدالعزيز فهمي، حيث تحدث معهم سعد باشا فيما ينبغي عمله عندما تسنح الفرصة للبحث في المسألة المصرية بعد إعلان الهدنة وهناك من أشار إلى أن فكرة تأليف الوفد كانت من بنات أفكار حسين رشدي باشا أو عدلي يكن باشا أو عبدالعزيز فهمي بك، وهناك اجتهادات كثيرة يمكن أن نخلص منها إلى أن الفكرة لم تكن غريبة ولا مرفوضة وإنما كانت مطروحة وشائعة وخطرت على كثير من الرؤوس، كما أكد سعد باشا نفسه في مذكراته وهو ما يجعل محاولة نسبتها لشخص بعينه نوعاً من مضيعة الوقت وتشتيت الجهود العلمية فيما لا طائل من ورائه، لأن المهم أن الفكرة قد وُلِدَت ووُجِدَت وكان لا بد لإنجاحها من أن تُدار بمعرفة زعيم ملهم قادر على كسب احترام كافة القوى السياسية وجذبهم للالتفاف حوله، فكان سعد باشا بحكم شخصيته ومركزه السياسي والاجتماعي ورئاسته للجمعية التشريعية والمعارضة فيها هو خير من يصلح لتلك المهمة.