رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

دوخت دوخة ينى فى مطار بغداد، فقد انتظرنا الطائرة لمدة تزيد على الأربع ساعات كان فيها أحد العمال المصريين يحمل فى صالة الانتظار صورة ضخمة جدا للرئيس العراقى صدام حسين وهو يتمشى بالصورة ويرفعها فى وجه رجال الأمن بشكل أثار ريبة أحدهم.. فنادى عليه واصطحبه إلى مكان مجهول واختفى الرجل ولكن صوته تردد فى كل أنحاء المطار فقد اكتشفوا أنه أخفى دولارات كل ركاب الطائرة فى ظهر الصورة وبالمناسبة صورة صدام حسين فى هذا التوقيت كان لها قدسية ليس لها مثيل فى الكون، فقد تم حبس أحد المصريين فى بغداد لقيامه باستخدام جريدة الثورة التى تزينها صورة صدام فى لف العيش الساخن.. المهم أن الولد المصرى الغلبان تصور أن صورة صدام سوف تمنح دولاراته الحصانة.. وتم احتجاز عدد من أصحاب الدولارات وإلغاء سفرهم وتعطلت الرحلة أربع ساعات أخرى للبحث والفحص.. وكان عدد الطائرات المتجهة إلى الأردن فى ذلك اليوم 3 طائرات.. ونزلنا إلى مطار الأردن وشأن أى مصرى فإنه عندما يجمعك سفر تصاحب الناس رفاق الرحلة ويتحول الصاحب فى السفر إلى صديق وربما قريب وقد يتحول إلى شقيق كمان.. المهم أننى صاحب أربعة من الشباب العاملين فى بغداد وكان وراء كل واحد منهم مأساة.. وفى الأردن اكتشفنا أن الطائرات الثلاث أقلت أعدادا ضخمة من المصريين وأن عدد الطائرات المتجهة إلى مصر هو طائرة واحدة فقط لا غير.

أما مقر الانتظار فكان فى الفضاء، فقد افترشنا الأرض والتحفنا بالسماء وانتظرنا الفرج الذى تأخر كثيرا حتى أعلنوا قدوم الطائرة الأردنية المتجهة إلى القاهرة، والحق أقول أن معاملة رجال الأمن فى مطار بغداد للمصريين.. نعم كانت حاسمة ولكن تشعر أن العراقى يحمل للمصرى ودا من نوع خاص ويتعامل معه ويتبادل الكلمات والنكات ولكن فى الأردن كان الحوار بالحزام الذى يستخدمه العساكر وفيه قطعة حديدية كانت تهوى على رؤوس الجميع وتأمرهم بالابتعاد عن الطائرة بقدر المستطاع.. وبالطبع حدث هجوم داعش على الطائرة الوحيدة المتاحة من الجميع فالكل يريد العودة بأى ثمن وحتى لو كان الثمن الضرب والطعن.. ولأننى لم استطع الصمود أمام هذه المعركة التى قام الجميع فيها بطحن الجميع. فقد وجدت الأصحاب الأربعة وهم يقولون خليك فى النص واحنا ح نحميك وبالفعل دفعوا كل من أمامهم وتصدروا المشهد وبعون الله وبفضل عضلات ومجانص الشباب المصرى رفاق الرحلة أصحبنا ركاب فى الطائرة التى سوف تقرب البعيد وتحملنا إلى حيث اصلان لكى تكتحل العيون بهذه الساحرة المبهرة التى ليس لها نظير فى بلاد الكون القاهرة محبوبة الغريب والقريب ولأننى تغيبت عن العودة إلى القاهرة لفترة طويلة من الزمان تعدت الخمس سنوات تم احتجازنا عشرات من العمال والفلاحين وفى ممر يؤدى إلى عدة غرف تم التحقيق مع الكل.. وقد كنت أنا والعمال الأربعة معا فتبادلنا أرقام التليفون.. ليس «المحمول» بالطبع لأنه لم يظهر بعد.. فقد كان «المحطوط» هو التليفون الوحيد المتاح وفى هذه الأثناء قام كل واحد منا بكتابة أرقام هواتف أقاربه وعناوينهم وبالمرة لم ينس أحد منا الوصية وتعاهدنا على أن نقف إلى جانب بعضنا البعض فى هذه المحنة.. فقد كانت القاهرة فى ظرف غير اعتيادى.. الرئيس السادات مات مقتولا فى السادس من أكتوبر.. ونحن فى نهاية الشهر والأحوال لم تستقر بعد وبدأ العرض على البيه الضابط.. وكان أحد ضباط أمن الدولة فى المطار يجلس فى غرفة خلف مكتب وأمامه كرسى واحد فقط وخارج الغرفة يقف مخبر كان فى الأصل اتوبيس نهرى جثة لم أشاهد لها نظيرا وابرز علاماته كف يده الذى هو أقرب إلى خف الجمل أما عينيه فقد كانت لا تتحركان ولا تتجهان إلا ناحية الواقف أمام البيه الضابط والشعاع الممزوج بالرعب والرغبة فى الضرب بدون سبب كان كفيلا لكى نعترف بأى شىء وبكل شىء دخلنا إلى غرفة البيه الضابط واكتشفت أنه لا يعرف الولد الشقى ولم يقرأ له أى كتاب فقد كان من جيل حديث واسمه «محمد» ولقبه «الباشا» وأمسك الباشا بجواز سفرى يقلبه وكأنه أمسك بدليل ادانتى.. وقال بقى لك أكثر من 5 سنين بره البلد.. ممكن تقولى كنت فين وبتعمل ايه. فلما قلت له أننى أدرس فى العراق.. سأل.. ومن يدفع لك مصروفات الدراسة «حزب البعث» فضحكت ضحكة استنكارية أغضبت ليس الضابط ولكن الاتوبيس النهرى الذى أسرع كالصاعقة قاصدة قفايا وبنظرة من الباشا كبح منعه المخبر فى توجيه الصفعة.. فقلت للباشا.. أنا أبويا اللى بيصرف على ولله الحمد وقال.. ولماذا كل هذه السنوات فى العراق وما هى وظيفة الوالد فقلت له.. صحفى.

قال.. وما اسمه.. قلت له.. أن سيادتك تمسك بجواز سفرى وتقلب فيه وتنقل عنه بيانات.. فقال.. أنت ترد على السؤال وبس.. قلت له.. محمود السعدنى.. قال وأين يكتب فى العراق.. فقلت فى مجلة اسمها «ألف باء» وسألنى هى مجلة تتبع الحكومة.. فقلت له.. كل شىء فى العراق يتبع الحكومة.. وقال من المسئول عن هذه المجلة هل هو الوالد.. حتى أدركت أنه لا يقرأ شيئا على الإطلاق.. فقلت رئيس تحريرها هو الشاعر العراقى الكبير شفيق الكمالى.. وكان الباشا يدقق فى هذه الأشياء فى كل الأختام الموجودة فى جواز السفر وهو يقول لى.. أنا مش فاهم أنت ليه فضلت فى العراق أكثر من 5 سنوات بدون ما ترجع بلدك.. لازم أعرف السبب الحقيقى.. أو الخروج من هنا مش ح يكون سهل.

ثم نادى على اسم أحد الأصحاب الأربعة.. وجاء به المخبر النشيط.. وسأله الولد المصرى الغلبان.. أنت تعرف ده.. وهو يشير على شخصى الضعيف.. فقال له ولا أعرفه ولا شوفته إلا النهاردة يا بيه ونظرت إلى الولد المصرى الطيب الذى عاهدنى على أن نقف إلى جانب بعضنا البعض وأدركت كم أن السلطة قادرة على صنع المعجزات.