رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مقال

اصبت بالدهشة من تلك المرأة فى الإتوبيس وهى تعلق ساخرة لحفيدها أو ابنها على التمثال الذي يقومون بتنظيفه فى ميدان سيفنكس وتقول: وهو مين اللى بيحموه- تقصد استحمام - فى البرد ده؟، فلم يكن يدل على وجهها أو ملابسها او نظارتها الطبية أنها جاهلة ولم يكن يدل على طريقه كلامها انها ليست متعلمة، لكن السؤال داهمني كما يداهم قطيع من الإبقار الوحشية لغيطان من حشائش السافانا بعد شهور من الجفاف، كانت تهزأ بما يفعلون وتهزأ من شخصية صاحب التمثال، وتسخر من تلك الشخصية التى يهتمون بتنظيف صاحبها بطرقة فجة ووقحة.

 المدهش ان حفيدها أو ابنها والذي كان فى منتصف العشرينات قال لها: أنه تقريبًا مخرج من اللي بيعملوا افلام أو تمثليات او شىء من هذه الاعمال، ليستمر قطيع الإبقار فى الدهس والتمزيق والهرس لكل حقول العلم والثقافة والتعليم، فلا يصح – رغم جهلنا – ان نتحدث هكذا، والغريب أنه لم ينهض أحد من الركاب ويتحدث أو يخبرهما بخطأهما وجهلهما وطريقه حديثهما، ولم أكن مستعدًا للدخول فى هذا النقاش السخيف، لكني لم استطيع ان اتمالك نفسي، نهضت بعد أن حملت ابنتي الصغيرة على ذارعي واتجهت للمرأة وقلت لها: أن صاحب التمثال الذي تهزئين منه اسمه نجيب محفوظ، وهو راقد وسط عقلك الفارغ والتافهة أكثر من نصف قرن، وأن تكوينك الجسماني هذا شكّله قلم نجيب محفوظ، وانه من المؤكد قد رسم على وجههك ابتسامة او جعل عينيك ذات يوم تدمع او نفض جسدك بقشعريرة لاحد ابطاله.

  لم تفهم المرأة ما اريد قوله، فعدت لها وقد اقتربت منها بشدة، وقلت : ان نجيب محفوظ هذا ياسيدتى الكريمة احد جنود هذا الوطن الغالى، وانه قد انتصر لنا فى حرب اكتوبر وقاد ثورة يوليو وسحق الصليبين من صلاح الدين، ففرحت المرأة كما لم تفرح من قبل، فزدت لها وقلت: أنه قد شارك فى ثورة يناير ومن المؤكد انه سيشارك فى ثورات أخري للشعب المصري، حينئذ قالت المرأة: علشان كدة بشوف صورته فى التلفزيون، قلت لها: انه احد شهداء ثورة الجهل على عقلك يا سيدتي العظيمة، واستدرت وواجهت حفيدها، واخبرته بأنه سيدخل النار، وان امثاله يجب أن يشنقون فى ميدان عام مثل الذى يوضع به تمثال نجيب محفوظ، بعدها امرت سائق الاتوبيس أن يتوقف، كي اخرج من جهنم، وقبل أن اهبط درجات السلم، رفعت ابنتي " يسر" يدها ملوحة لتمثال نجيب محفوظ وهي تردد اسمه بطريقتها، امتدت يسد يسر وكفها لتصل لوجه نجيب محفوظ كي تجفف وجهه الغارق فى الدموع، ثم ربتت على كتفه وقبلته بطريقتها وهي تردد اسمه مرة اخري، ثم قامت بالهبوط إلى قدمه حيث كان رباط حذائه مفكوف، فقامت يسر بربطه وهي تقول له: بابا علمني ان اللى رباطه بيتفك بيقع، ابتسم نجيب محفوظ، وطل على المرأة وحفيدها وبدأ فى السير تاركا العمال الذين يقومون بتنظيف جسده من الاتربه، سار إلى حيث لم أراه مرة اخري بينما ظلت يد يسر ابنتي تلوح له مودعه وباكيه ايضًا.