قالت إحداهما يا أبت استأجره أن خير من استأجرت القوى الأمين. كلمات توزن بماء الذهب. قالتها إحدى ابنتىّ شعيب. فقد ذهبتا لتسقى الأغنام. وهناك لا بقاء إلا للقوى، والضعف عنوان لهما إذ لاحول لهما ولا قوة أمام قوة الرجال. ولكن عرفت إحداهما أنه قوى أمين. معايير الأدب هى من استنطقت المحاسن. والحياء الذى كان عنوانًا لهما. فهو بداية سقى لهما، ثم تولى إلى الظل.. وهكذا النبلاء عندما يقدمون المعونة يتوارون. (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل) الإنفاق لا يحتاج إلى المعايرة والأمر لا يقف عند بذل المال ولكن يمتد إلى إنفاق الصحة والمشورة والنصيحة إلخ. لا بد أن يكون خاصاً لوجه الله تعالى فهو وحده المكافئ على ما قدمت. قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ماسقيت لنا يا لها من معانٍ جامعة. فلو قالت إن أبى يدعوك وفقط لسألها. من أبوك. وما المناسبة ولماذا يدعونى ولكنها قالت كلاماً لا يحتمل التأويل أو النقاش. القوة والأمانة معيار للكفاءة والتميز. القوة بمعناها الأسمى ليس فى بسطة الجسم ولكن فى الرؤية الثاقبة للأمور وحسن التصرف فى النظرة إلى المستقبل ومعالجة الأمور بمعيار الإنجاز والرقى والتقدم. والأمانة تاج لمن حظى بها (فلا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) استخلصت القوة عندما استطاع أن يسقى لها ولأختها فى وقت كان الجميع يرفع شعار (ونشرب أن وردنا الماء صفوا.. ويشرب غيرنا كدراً وطيناً) أما الأمانة فقد رفض السير خلفهما. وطلب منهما أن يكون أمامهما حتى اذا عصفت الريح بثياب إحداهن لم ير شيئاً منها. يا له من ذكاء خارق. وهكذا تكون التربية والأدب الجم والأخلاق القويمة. معايير التقوى تختلف بالكلية عن معايير أهل الانحراف والهوى. ويا ليت الناس يدركون قدر الحكمة. ومن يؤت الحكمة فقد أوت خيراً كثيراً. وكان الجزاء من جنس العمل. وهكذا النبلاء الأنقياء عندما تمتد أيديهم بالعطاء.
«قَالَ إِنِّى أُرِيدُ أن أُنْكِحَكَ إحدى ابْنَتَى هَاتَيْنِ عَلَى أن تَأْجُرَنِى ثَمَانِى حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أن أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِى أن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ». وكانت العشر وفاء للعطاء الذى تمثل فى زوجة صالحة تربت على العفاف والحياء.
كاتب وباحث