رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بمجرد رحيل السادات وتولى مبارك السلطة، لم يُدِر الرجل البلاد إلا وفق سياسات رسمت له بعناية، كان دائمًا فيها مفعولًا به وليس فاعلًا على مستوى سياساته الخارجية والداخلية، فعلى مستوى السياسة الخارجية: كان مبارك فى تحركاته أبطأ كثيرًا من الأحداث وربما بعيدًا عنها تماماً، كانت ردود أفعاله دائمًا تخصم من رصيده الشعبى بل وتضعه فى خندق الأعداء التاريخيين للمصريين والعرب، مثلًا ارتضى مبارك أن يقبل السلام مع الإسرائيليين كخيار استراتيجى، مَهما فعلوا ومَهما ارتكبوا المذابح ومهما هددوا أمن مصر القومى أو أمن المنطقة العربية برمتها.

هكذا، ظل الرجل ثلاثين سنة مكتفيًا بإصدار بيانات الشجب والإدانة والاستنكار والتحذير بالنصح أحياناً للظهور فى ثوب الحكيم أمام أحداث كانت كفيلة بإفقاد أى عاقل صوابه، ظل ثلاثين سنة مؤثرًا للسلامة ليس خوفًا على مصر من خوض حرب كان يجب أن تكون مستعدة لها فى أى وقت، بل كان حرصًا منه على استقرار سياسى سيؤدى لثبات كرسيه فى الحكم أطول فترة ممكنة، حرصًا منه على استقرار يتصوره لن يكون أبدًا إلا من منطلق عدم الضغط على إسرائيل بأى صورة من الصور، حتى بدا فى عيونها رجلها الأول المدافع عن مصالحها وكنزها الاستراتيجى بحسب ما وصفه به «بن اليعازر» وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق، وقد مضى بعض المحللين السياسيين بالتصريح والتلميح إلى اتهام مبارك بالعمالة، مستشهدين بما قاله «سلفان شالوم» وزير الخارجية الإسرائيلى الأسبق، لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية، عندما سألته: (هل صحيح أن مبارك كان عميلًا للمخابرات الإسرائيلية؟) فأجاب وهو يضحك: (هذه هى الحقيقة دون زيادة أو نقصان) وفى شهادة للسيد شفيق البنا -رئيس قطاع الشئون الفنية والإدارية فى رئاسة الجمهورية سابقًا- لأحد البرامج التليفزيونية والتى كان يقدمها أحمد شوبير: (كثيرًا ما كان مبارك يزور إسرائيل سرًا فقد كانت تربطه بها علاقات قوية ربما كانت تفوق علاقته بالملوك والرؤساء العرب الذين كان يستفيد منهم ويتلقى منهم كل أنواع الهدايا الثمينة والرخيصة المادية والعينية).

ولا شك أن علاقة مبارك بإسرائيل قد زادت وطأتها خاصة بعد أن أوحى إليه المقربون منه ألا يترك السلطة إلا لابنه جمال، فيما عُرِفَ بالتوريث الذى كان أهم الأسباب التى أدت لتنامى الغضب الشعبى عليه، وهنا ضغط الإسرائيليون لحصاد أكبر قدر من المكاسب، فمن ناحية كانوا يُظهـِرون دعمهم الكامل له ولمشروعه فى توريث الحكم إلى ابنه، ومن ناحية ثانية يقطفون ثمرة هذا التأييد من: زيادة فى التطبيع ودعم التبادل التجارى بين البلدين من خلال ما عُرِفَ باتفاقية «الكويز» والأهم من كل هذا استيراد الغاز المصرى بأسعار لا تقبل المنافسة فى الوقت الذى لم تكن فيه احتياجات المصريين من الغاز كافية، بل يتم إعادة استيراده من إسرائيل ثانية بأسعار تكلف خزانة الدولة أموالًا طائلة.

بعد إعلان مبارك عن جعل منصب الرئيس بالانتخاب فى عام 2005، وبعد فتح باب وهمى أمام التعددية والمنافسة على ذلك المنصب الرفيع، وبعد تعديل 34 مادة من الدستور لتهيئة المناخ المناسب لتسلق الوريث الجديد للحكم، يتعزز لدى الإسرائيليين الإحساس بالأمن وقد عبروا عن تلك الحقيقة فى وثيقة أرسلوا بها إلى الخارجية الأمريكية قبيل ثورة 25 يناير أكدوا فيها أن: (جمال مبارك هو أفضل من يتولى الحكم فى المرحلة القادمة، لأن سياساته ستكون الامتداد الطبيعى لما سبق أن انتهجه والده، وبالتالى سنضمن عدم حدوث ما يعكر العلاقات المصرية الإسرائيلية على مدى حكم الوريث، وفى الوقت نفسه حذرت من منافسيه فى الانتخابات عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية وقتها، وكذلك عمر سليمان، مدير المخابرات العامة المصرية الأسبق، لكون الأول كان ولا يزال على علاقة بدول عربية غير معتدلة ولديه ميل كبير لتصحيح العلاقات المصرية الإيرانية، وباعتبار الثانى على صلة وثيقة بحركة حماس (ومنظمات العمل الفلسطينى). ويبقى السؤال الذى ينبغى أن يجيب مبارك عنه حرصاً على بياض صفحته أمام التاريخ: أين الحقيقة؟