رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

لا أراكم الله مكروهًا فى عزيز لديكم، وللفقيد الرحمة ولمصر خالص العزاء. عفوًا عزيزى القارئ، لست أتحدث عن شخص متوفى! ولكنى فى بداية عام دراسى جديد، أقف فيه أمام مجموعة من طلاب الفن المسرحى، بصفتى أستاذًا للتمثيل والإخراج، أسمع منهم طموحاتهم وتوقعاتهم عن مستقبلهم المهنى فى هذا المجال. ومع كل حلم يتفوه به أحدهم، تنفتح أمامى عشرات المخاوف التى تهدد ذاك الحلم.

فماذا ينتظر الحالم بالنجومية فى وسط فنى تحكمه العلاقات والوساطة العمياء، سوى اغتيال لهذا الحلم؟! وماذا ينتظر طالب يجتهد فى تحصيل قواعد ونظريات يرنو بها تغير واقع فنى مرير، سوى تحطم تلك المدركات على صخرة الواقع العشوائى المرير؟! بل كيف أدرس لهم مدارس واتجاهات مسرحية فى مناخ رافض المسرح بشكل عام، والجاد منه على وجه الخصوص؟! وبأى منطق أدفع الطالب إلى التخلى عن القشور والتوجه إلى لباب الأمور، والمجتمع بأكمله يتبارى فيمن هو الأكثر سطحية والأوج تفاهة.

أمام هذا كله يشعر المرء بالخجل حين يدفع الطالب دفعًا فى هذا الاتجاه المحكوم عليه بالفشل. فالواقع الثقافى المصرى لا يقدم المهن المسرحية بكونها مهنًا احترافية يمكن لأصحابها الاعتماد عليها فى تكسب قوتهم اليومى. فهى لا ترقى إلى مستوى المهن التليفزيونية والسينمائية من حيث التربح الاقتصادى. فأجر ممثل واحد فى فيلم أو مسلسل قد يكفى لإنتاج عرض مسرحى بأكمله؛ بما يشتمل عليه هذا العرض من تكلفة الديكورات والملابس والإضاءة والدعاية وكذلك أجور الفنانين والفنيين.

فلك أن تعلم أن هناك بعض الفنانين المسرحيين يستمر عملهم فى عرض مسرحى فترة تتجاوز الخمسة شهور؛ ما بين أيام البروفات والعروض. وفى نهاية الأمر يتقاضون مكافأة قد لا تتجاوز الألفين من الجنيهات؛ أى ما لا يتجاوز الأربعمائة جنيه شهريًا. فهل يمكن لشاب فى مقتبل حياته أن يؤسس بيتًا وأسرة بهذا المبلغ؟! هذا إن واتته الفرصة فى التعيين فى أحد مسارح الدولة، الأمر الذى قد يستغرق سنوات بعد تخرجه. وإلا فحتى هذه الجنيهات البسيطة لن يتمكن من الحصول عليها، وسيظل يعمل فى سنوات ما بعد تخرجه فى فرق الهواة، والتى لا يتقاضى عنها أى أجر!!

فإن التحاق مجموعة من الطلاب بأحد أقسام المسرح فى مصر هو بمثابة عملية انتحار جماعى، تفوق أشهر عملية انتحار جماعى قام بها (وارن جونز) زعيم معبد الشعوب، إذ كان ضحايا هذا الانتحار 900 شخص. أما ضحايا التعليم المسرحى فى مصر فهم بالآلاف كل عام.

وخطورة هذا الأمر أنه لا يكتشف إلا فى نهاية السنة الرابعة من تعليمهم حرف المسرح، وإذ بهم يفيقون على سراب خادع. ولا يجدون من أنفسهم سوى مجموعة من النفوس الضائعة الناقمة على الوطن، لأنهم يكتشفون أنهم خضعوا لأكبر عملية نصب تمت لهم فى حياتهم على الإطلاق. فيرون فى بلدهم المخادع الأعظم الذى سرق منهم أحلى سنوات صباهم، مقابل وهم كبير اسمه الفن المسرحى والمهن المسرحية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع.

ولهذا يظل أمامى كمدرس لفن المسرح أمران لا ثالث لهما، إما أن أكون مخادعًا وأكتم هذا المصير البائس عن هؤلاء الزهور اليافعة. أو أعلنها لهم صراحة؛ ومن ثم مزيد من اليأس، ورصيد أكبر من الإحباط!!