عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل من المنطقى أن أقيس مساحات صحراء مصر بالكيلو جرام؟! بل هل يعقل أن أزن اللحم فى منافذ بيع اللحوم بوزارة الزراعة بالڤيمتو ثانية؟! أم يجوز لنا أن نحسب سرعة سياراتنا على الطريق الدائرى بجهاز ضغط الدم؟!

إذ بدت لك كل هذه القياسات أنها عبث، فبالمثل لا يمكن قياس الفن بمقياس الأخلاق، فوحدة قياس الفنون هى الجمال والمصداقية، أما وحدة قياس الأخلاق هى الدين فى الدول الدينية، والقانون فى الدول المدنية ومن ثم فلا يمكن أن يقاس الفن بأى حال من الأحوال بمعيار آخر غير مقاييس علم الجمال المتبعة فى مدارس الفن ومناهجه.

ولهذا كان قاضى الفن ومشرعه هو الناقد الفنى، الذى يحكم على العمل الفنى بما درس من قوانين فني، وحتى لو كان عملاً سيئًا بكل المقاييس لا يمكن الحكم عليه بالإعدام، لأنه فكر والفكر لا يمكن إقصاؤه وإنما يمكن  مجابهته فكريًا.

لماذا إذن يحدث فى بلدنا هذا الخلط فى المعايير والازدواج فى القياسات؟! هذا التشويش التقييمى الذى أدى مباشرة إلى ما حدث للأديب العالمى نجيب محفوظ من محاولة اغتيال، وما حدث للمفكر فرج فودة وبالفعل أودى بحياته، وغيرهما من المفكرين والمبدعين جددًا وعتقاء، من ابن رشد حتى المفكر الأردنى ناهض حتر، الذى تم اغتياله أمام قصر «العدل» فى عمَّان.

وبالفعل يمكن الجزم بأن الحرية الممنوحة لكل البلدان العربية لا تكفى لإبداع فنان واحد، وإن حدوث ذلك الاغتيال لأحد المبدعين قاب قوسين أو أدنى من كافة المبدعين والفنانين فى بلادنا، بحجة أنها مخالفة للآداب العامة وأنها تخدش الحياء، وبالتالى يجب ألا تخرج إلى النور.

فكم رواية منعت باسم الأخلاق وكم مسرحية رفضت أو أغلقت بحجة عدم مراعاة الآداب العامة، وكم من فيلم تم التدخل الصارخ فى أحداثه أو مجرد اسمه بالتغيير بدافع عدم خدش الحياء. كما قلما تم قصفه تزلقًا وممالأة للمتشددين أخلاقيًا أو أصحاب التقوى المزيفة، ولهذا لا يصل المبدع المصرى إلى مرمى رصاص القبائل الهمجية محتكرة الفهم الأوحد للأخلاق الذين قتلوا أسلافهم من المفكرين.

ومع الوقت لم يعد الرقيب المعين من قبل الحكومة هو فقط المسيطر على العملية الإبداعية وإنما نجحت الحكومات المتعاقبة على حكم مصر أن تصنع رقيبًا ذاتيًا داخل كل فنان، له معايير ومحاذير تفوق بكثير القواعد الرقابية للدولة، وأصبح المبدع المصرى بين مطرقة الرقيب الحكومى وسندان الرقيب الذاتي، وبعد رحلة تحرش فكرى يمر بها هؤلاء المبدعون يتم فى نهايتها اغتيال أفكارهم ورؤاهم وتركهم عرايا أشباه مفكرين، أموات يدعون الحياة، مجرد «زومبى» إلا من رحم ربك منهم.

وأصبح العمل الفنى -مسرحًا كان أم فيلمًا أم لوحة تشكيلية أو رواية أو قصيدة شعرية- عملاً بلا روح، حيث يمر أثناء إنتاجه بمراحل نزع الحياة، تبدأ فى عقل المبدع أو بالأحرى ضميره المثقل بالأحكام الرقابية فتتم تخليته من الأفكار الحرة الخشنة، والاستبقاء على الناعمات من المعانى، ثم يمر بعد ذلك على الرقابة الحكومية التى تجرد العمل الفنى مما تبقى له سهوًا من حريات، وفى النهاية يخرج إلينا شكلاً أجوف هزيلاً، لا يمثل سوى حطام من أطلال عمل فنى مفرغ من محتواه.