عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

تأخرت عن زيارته بالمستشفى الحكومى الذى نقل إليه، بعد نجاته من حريق قاعة الفنون التشكيلية الملحقة بقصر ثقافة بنى سويف، حيث كان يحضر عرضاً مسرحياً لفرقة نادى طامية بالفيوم، بصفته مخرجاً مسرحياً وأستاذاً فى فن التمثيل والإخراج، وكان ذلك بالتحديد فى 5 سبتمبر 2005 وكأنه بالأمس القريب.

ظننت فى بادئ الأمر أن صديقى المصاب فى تلك الواقعة لن يمكث فى المستشفى سوى بضعة أيام، وحينئذ يكون بإمكانى زيارته فى منزله، أرتشف معه فنجان القهوة المفضل لدينا، ونتجاذب أطراف الحديث حول الحادثة الغريبة ونتائجها الدائمة.

لم أدرك حجم الكارثة، إلا وأنا فى قسم الحروق المحتجز به صديقى، أمر بين الأسرة البيضاء أبحث فى وجوه المصابين عن ملامحه السمراء المبتسمة دائماً، ولكنى لم أجدها.

وقطع هذا الصمت الباحث المترقب صوت مألوف واهن ينادينى «فلان».. اقتربت من مصدر الصوت، ولأول وهلة لم أتعرف عليه، ولكنه قال فى صدمة: هو النار أكلت وشى لدرجة إنك ما بقتش عارفني؟! يا للكارثة!! إنه صديقي!! لقد التهمت النيران وجهه الباسم وغيرت ملامحه تماماً، ليس هذا فقط؛ بل سرت فى شتات جسده، تركت له علامة فى كل مكان. فى تلك اللحظة أيقنت ما معنى أن الموت رحمة.

وليس هذا مجرد رثاء لصديق! وإنما هو بمثابة نموذج لخمسين فناناً مسرحياً من خيرة ما أنجبت مصر، أجبروا على الرحيل عن عالمنا، فبعد بضعة أيام لحق صديقى بتلك القائمة التى أعلن فيها محافظ بنى سويف أن هناك أشخاصاً توفوا اختناقاً، وأن بعض الجثث فى المسرح قد تفحمت بشكل يصعب معه التعرف عليها، وهناك من توفوا بعد إنقاذهم ونقلهم إلى المستشفى، كحال صديقى.

صدق من قال إن معظم النار من مستصغر الشرر، فمن منا بإمكانه أن يصدق -مهما كانت قدرته على التخيل- أن سقوط «شمعة» من خلفية ديكور عرض مسرحى، يتسبب فى حريق مدمر لقاعة مسرحية، تطايرت معه ألسنة اللهب وارتفعت حتى تملكت من المكان بأكمله. فسقط السقف المصنوع من «الفوم» ليتحول لنيران سائلة تتساقط فوق رؤوس الجمهور والممثلين، وكأنها ترميهم بحجارة من سجيل، تلقى بلظاها من جحيم مستعر.

ومن الجدير بالذكر أن عمال الإطفاء قد وصلوا بعد الحريق بحوالى الساعة من إخماده، وقد قيل إن السبب فى ذلك أنهم لم يجدوا مياهاً ليضخوها فى خراطيم عربة الإطفاء، حالهم مثل حال رجال الإسعاف الذين وصلوا بعدها بساعات رغم تلقيهم الاستغاثات من سكان المنطقة والمسئولين عن المسرح فور وقوع الحريق، ليذهب المصابون الذين نجحوا فى الخروج من الحريق إلى المستشفيات؛ بعضاً منهم مستقلين سيارات أجرة، والبعض الآخر سيراً على الأقدام.

ويطالعنا الأسبوع المقبل بهذه الذكرى المؤلمة، فبعد مضى ما يقرب من أحد عشر عاماً على تلك الكارثة، نسترجع معاً تذكار المهلكة العظمى، التى يسطر لها التاريخ يوم 5 سبتمبر تذكاراً للإهمال والتردى واللامبالاة.