رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

المثقفون دائمًا هم الأصل فى كل ثورة.. هم وقودها الحقيقى، فهم من يتمرد على الأوضاع ويسعى للتغيير ويجدد ملامحه، وهذا ما حدث مع ثورة يوليو.. حلم المثقفون قبل قيامها بجميع الأفكار التى أعلنتها وأكدت عليها مثل مجانية التعليم والإصلاح الزراعى وبناء السد العالى ومقاومة الثالوث الرهيب: الجهل، الفقر، المرض وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، فهل حققت الثورة أحلام المثقفين، أم أنها حطمت أحلامهم وخيبت آمالهم؟

بعد 64 عامًا من الثورة ما زال الجدل مستمرًا بين المثقفين ما بين مؤيد ومعارض، يرى بعضهم أن المثقفين رحبوا بها فى البداية، لأنها ضرورة للتخلص من مساوئ كثيرة على رأسها النظام الملكى والإقطاع والفساد الاقتصادى، ولكن تيقنوا بعد قليل أن العسكر سوف يطمحون إلى الحكم ولن يعودوا إلى ثكناتهم، فتراجع البعض عن تأييد الثورة وفضل البعض الحياد طلباً للسلامة والأمان، والبعض الثالث رأى فى تأييدها مجالاً للرزق الواسع فأيدها وبعد أن كتب صلاح عبدالصبور قصيدته الشهيرة فى هجاء هتلر وكان يقصد عبدالناصر، ظهر دعاة الثورة يحاولون الدفاع عنها وتبرير أخطائها، لكى تفتح لهم الابواب وفعلاً حصلوا من الثورة ما لم يحصلوا عليه فى العصر الملكى واختار المثقفون الحقيقيون العزلة الاختيارية طلباً للأمان. وكانت فائدة الثورة من المثقفين فى البداية محدودة لأنها كانت تبحث عمن يقنن قراراتها ويدعمها ويؤيد فكرتها، لا من يقدم لها الرأى العلمى السديد، ورويداً سيطر العسكر على كل مناحى الحياة فى مصر، فهاجر المثقفون فى فترة من الفترات عندما أصبحت جميع المؤسسات تقريباً محكومة بالعسكر.

ويرى الفريق الآخر أن الثورة نجحت فى حفر تيار الواقعية فى الكتابة، فالأطر الفنية التى كانت تحكم الكتابة كانت على غرار (الفن للفن) دراسة النصوص فى إطار الإبداع وليست فى إطار الظروف الاجتماعية التى نشأ فيها النص، وبعد الثورة انقلبت الموازين وتقدمت الطبقة الوسطى للوصول للحكم، وهى الطبقة التى تشمل العمال والفلاحين، فظهرت الكتابات عن هذه الطبقات ولم تكن متاحة من قبل، فمثلاً قبل ثورة 1952 لم يكن مسموحاً لأى باحث فى التاريخ أو الاجتماع أن يبحث فى أوضاع العمال أو الفلاحين أو النظام الرأسمالى الإقطاعى لأن الطبقة الحاكمة والمناخ العام لا يسمح بذلك، وبعد الثورة انطلقت مثل هذه الدراسات وأعطيت حرية للمفكرين الماركسيين للتعبير عن أنفسهم رغم اختلافهم الجذرى مع الثورة، فمثلاً فى عامى 1956، 1957 ظهرت كتب مهمة لشهدى عطية الشافعى (الحركة الوطنية المصرية) وإبراهيم عامر (قوة مصر القومية) وفوزى جرجس (دراسات فى تاريخ مصر المملوكى) ويحسب أيضًا للثورة أنها احتضنت أصواتا غنائية جديدة.

ويرى هذا الفريق أن سلبيات الثورة نسبية من وجهة نظر من يتحدث عنها وأهمها الموقف المضاد للثورة من الشيوعيين المصريين لاختلافها مع معتقداتهم، وكذلك رفضهم الوحدة بين مصر وسوريا.

وهناك من الفريق المناهض للثورة -أكثر تشدداً- فهو يرفضها كلية وبل ويتهمها بأنها أخذت من المثقفين جميع أحلامهم، واتسمت علاقتها معهم بأشياء معقدة تراوحت بين الاستيعاب والاستقطاب والجدل الدقيق قليلاً والخشن فى معظم الأحياء، فكثير من المثقفين ذاقوا أهوال السجون وبعضهم لقى الموت، ولكنه يعترف لأنها قدمت عدة مشروعات، مثل أكاديمية الفنون وهيئة الكتاب ووزارة الثقافة، ولكن ما آلت إليه هذه المنجزات من الفشل الذريع أضيف إلى سلبيات الثورة.

 وينضم إلى هذا الفريق من يصف نظرة المدافعين عن ثورة يوليو بأنها التزييف الحقيقى، فهى تؤكد أن المثقفين قبل الثورة كانوا يحصلون على مزايا ومنح ولم يتصورا أبداً أن يحققوا تصوراتهم عن العدالة والمساواة، حتى جاء العسكر فحققوا هذا الحلم وشعر المثقفون بالعدالة والمساواة والحقيقة أن ثورة يوليو ظلت تلعب مع المثقفين لعبتها المفضلة، فهى تارة تأخذ صف اليمين المثقف على حساب اليسار المثقف، وتارة أخرى تساند هذا اليسار على حساب اليمين، وهو إرث يوليو الذى ما زلنا ندفع ثمنه حتى الآن.

والشىء المؤكد أن الثورة نجحت نجاحاً باهراً فى استمرار الجدل حولها، والذى لا أعتقد أنه سينتهى قريباً.

 

[email protected] com